فقه (76)

7 جمادى الثانية

1441 هـ

عطفاً على ما سبق: في الركعتين الأخيرتين فإنّه يجب الإخفات فيهما سواء في الحمد أو التسيحات كما ذهب إليه المشهور وقيل بالتوقف أو التخيير أو إستحباب الجهر كما مرّ تفصيل ذلك ثم قال المصنف قدس سره: (نعم إذا قرء الحمد يستحب الجهر بالبسملة على الأقوى وإن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط).

أقول: تفريعاً على ما سبق إنه إذا اختار قراءة الحمد في الركعتين الأخيرتين فهل يجهر في بسملته بناء على إستحباب الجهر بالبسملة مطلقاً أو أنه يخفت بناء على وجوب الإخفات في الحمد والتسبيحات والبسملة جزء من الحمد؟

إختلف الأعلام والكلام تارة يقع في أصل الجواز وأخرى في إستحباب الجهر، فذهب المشهور إلى الجواز وخالف في ذلك ابن إدريس فقال بالمنع (السرائر: 1: 218).

وقد تقدم في المسألة 21 إنّه يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد والسورة وفي المعتبر جعله من منفردات الإمامية وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا، وعن الخلاف: دعوى الإجماع عليه ويستدل عليه بجملة من الروايات كصحيحة صفوان وغيرها وعن ابن جنيد تخصيص الإستحباب بالأوليتين لما ورد في بعض النصوص إلّا أنها لا تصلح لتقييد المطلقات الشاملة للمنفرد أيضاً.

وعن إبن إدريس الحلّي: تخصيص الحكم بالأوليتين أولاً: لإختصاص الأدلة بالصلاة الإخفاتية التي يجب فيها تعيناً القراءة وثانياً: لقاعدة الإحتياط والإشتغال، فإنّه لا خلاف في صحة صلاة من لا يجهر بالبسملة ولكن في صحة صلاة من جهر فيها خلاف بين الأصحاب فمقتضى الإشتغال اليقيني أن الحكم يختص بالأوليتين دون الأخيرتين، فإنّه لا يحتمل وجوب الجهر.

ولكن أورد عليه: أولاً: خلو جملة من النصوص عن التقييد بالأوليتين، فيتعين العمل على إطلاقها ومع وجود الدليل الدال على الإطلاق لا مجال لقاعدة الإحتياط فإنّها من الأصل دليل من لا دليل له.

وثانياً: أنّ المورد من موارد الأقل والأكثر وعند بعض الأعلام المعاصرين إنّما هو مورد البراءة دون الإشتغال فتأمل.

وإستدل على المنع عن الجهر في البسملة في الأخيرتين، ما دل على وجوب الإخفات في الأخيرتين، فإنّه أوّلاً: يشمل الفاتحة بكل أجزائها ومنها البسملة فيما لو اختار الفاتحة، فمن قال بالتقييد أي تقيد المطلق الشامل للبسملة فقال بجواز الجهر فيها في الأخيرتين فلابدّ له من إقامة الدليل على التقييد وإلّا فالإطلاق هو الحجة عليه، وعدم الدليل دليل العدم ولو كان لبان، ومن ثم يقال بالاخفات في البسملة أيضاً وربما لهذا الوجه يقال بالاحتياط كما عند المصنف قدس سره وإن كان الأقوى إستحباب الجهر بالبسملة.

وأورد عليه: إنّما يتم هذا الإستدلال للمنع عن الجهر ووجوب الاخفات في الأخيرتين مطلقاً حتى البسملة فيما لو اختار القراءة لو كان مستفاداً من دليل لفظي فإنّه حينئذٍ يصح الإستدلال والتمسك بإطلاقه، ولكن قد مرّ بالتفصيل ان وجوب الاخفات في الأخيرتين إنما كان بسيرة المتشرعة في الخارج وكانت كصغرى لكبرى المستفادة من صحيحة زرارة الأولى فيما لا ينبغي في الاجهار به فإن أجهر عمداً بطلت صلاته كما مرّ تفصيل ذلك.

ولكن السيرة من الدليل اللّبي ويؤخذ بالقدر المتيقن فلا إطلاق فيه حتى يتمسك بإطلاق، أضف إلى ذلك ما ذهب إليه المشهور من جواز وإستحباب الجهر بالبسملة في الأخيرتين فيما لو اختار الحمد فكيف يقال بإطلاق الإخفات حتى يشمل البسملة على أنها جزء من الحمد فيكفي لمن قال بالجواز عدم الدليل على المنع أوّلاً، كما لا يحتاج إلى إقامة الدليل على الجواز تمسكاً بأصالة الجواز إلّا ما خرج بالدليل ثانياً.

فأصل الجواز ممّا لا إشكال فيه كما هو المختار وأمّا إستحباب الجهر فيها كما عند المشهور فإثبات ذلك قابل للنقاش فإنّه ما إستدل به هي جملة من النصوص كما تقدمت في المسألة 21 كصحيحة صنوان ومرسلة ابن حمزة وخبر أبي حفص الصائغ وخبر الفصل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون العباسي لعنه الله (غيره إلّا أنّ الجميع قاصر تارة من حيث السند وأخرى من حيث الدلالة وإنّما الروايات منصرفة إلى القراءة في الركعتين الأوليتين فلا إطلاق حتى يشمل الأخيرتين.

وإن حكى عن القاضي في المهذب والصدوق وجوب الجهر مطلقاً حتى في الأخرتين، وربما تمسكاً بخبر الأعمش عن الإمام الصادق عليه السلام كما مر والا بهار بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة واجب، وخبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة طويلة: (وألزمت الناس بالجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ولكن أورد على الإستدلال بها: بضعف سندهما أوّلاً وإعراض الأصحاب عنهما ثانياً، وعدم التعرض إلى الصلاة ثالثاً.

وربما يقال أن ظاهر موثقة هارون (الوسائل: باب 21 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث الثاني) إستحباب الجهر بالبسملة مطلقاً فيعم الصلاة إلّا أنّه لا يختص بالصلاة فإستحبابه بهذا العنوان أنّه في خصوص الصلاة من الأمر المشكل نعم إذا قلنا بقاعدة التسامح وأنها تشمل فتوى المشهور كما هو المختار فحينئذٍ نقول بإستحباب الجهر في بسملة القراءة في الأخيرتين، وإن كان الأحوط الإتيان بذلك بقصد رجاء المطلوبية بل الأحوط الذي لا يترك الإخفات والله العالم.

آراء الأعلام في المسألة: