فقه (74)

31 جمادى الأولى

1441 هـ

مسألة 3: يجوز أن يقرء في إحدى الأخيرتين الحمد وفي الأخرى التسبيحات فلا يلزم إتحادهما في ذلك.

اقول: يتفرع على ما سبق بعد القول بالتخيير في الركعتين الأخيرتين بين الحمد والتسبيحات، فهل يشترط الوحدة بين الركعتين فيما يختاره في الركعة الأولى؟

وبعبارة أخرى: هل موضوع التخيير في كل واحد من الركعتين أو من حيث مجموع الركعتين لا كل واحد؟

ذهب المشهور ومنهم المصنف كما في الجواهر وغيرها إلى الأول فيجوز أن يقرء في إحدى الأخيرتين الحمد وفي الأخرى التسبيحات أوّلاً: تمسكاً بإطلاق نصوص التخيير، وثانياً: دعوى موضوع التخيير هو مجموع الركعتين لا كل واحد منهما خلاف الظاهر كما هو المختار.

مسألة 4 ـ يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات نعم إذا قرء الحمد يستحب الجهر بالبسملة على الأقوى وإن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط.

أقول: من مسائل وفروع القراءة أو التسبيحات في الركعتين الأخيرتين يا ترى هل يقرء الحمد إخفاتاً أو جهراً وكذلك لو اختار التسبيحات فهل يقرءها جهراً أو إخفاتاً؟

أمّا في الحمد فذهب المشهور بل شهرة عظيمة كما حكاها سيدنا الحكيم قدس سره وكادت أن تكون إجماعاً محصّلاً، بل عن الشيخ في الخلاف وفي الغنية: دعوى الإجماع عليه، وفي الجواهر: (المعلوم من مذهب الإمامية بطلان الجهر بالقراءة في الأخيرتين) ممّا يدل على وجوب الإخفات حينئذٍ فيهما.

وذهب صاحب الحدائق (8: 437) إلى القول بالتخيير بين الجهر والإخفات وأمّا دليل المشهور فإنّه لم يرد نص خاص يدل على ذلك من حيث الجهر أو الإخفات، وإنّما أخبار الباب سبقت لبيان حكم الأوليتين أو سائر الأذكار من ذكر الركوع والسجود والتشهد ونحوها.

وربّما ما يستدل به في المقام هو سيرة المتشرعة المتصلة بالإستصحاب القهقرائي بعصر الأئمة المعصومين عليهم السلام، بل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فإنّه لم ينقل عنهم الجهر ولو كان لبان وعدم الدليل دليل العدم.

ولا يخفى أنّ هذه السيرة بمجردها لا تدل على الوجوب، لإنّها من الفعل المجمل وغاية ما تدل على أصل المشروعية أوّلاً وعلى أرجحية الإخفات من دون الوجوب كما نقول ذلك في فعل المعصوم عليه السلام فليس كقوله حتى يؤخذ بإطلاقه ودلالته على الوجوب مع الأمر به، فالسيرة دلَت على مشروعية الإخفات وإستحبابها دون الوجوب كما هو المدعي.

نعم ربما يكون المقام من صغريات كبرى تضمّنتها صحيحة زرارة من عدم جواز الإجهار متعمداً في كل ما لا ينبغي الإجهار فيه.

فقد قال عليه السلام: (في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيهظ فقال عليه السلام: أيّ فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة^([1]).

وجه الإستدلال: إنّه نشكل قياساً من الشكل الأوّل: صغراه: مشروعية الإخفات ورجحانه بالسيرة المتشرعة، فلا ينبغي الإجهار فيها في الركعتين الأخيرتين، وكل ما لا ينبغي الإجهار فيه لو أجهر متعمداً فقد بطلت صلاته، إذن لو أجهر فيهما بطلت صلاته ولازمه ثبوت ووجوب الإخفات فيهما.

توضيح ذلك من باب فقه الحديث وإنّه ما للراد من كلمة (ينبغي) في خصوص هذا الحديث الشريف.

فإنّه ليس المراد منه هو الوجوب ولا الإستحباب قطعاً لأنّ كل واحد من التقدير واضح الحكم بمعنى أنّه لو أخل بالجهر مع وجوبه لأقتضى ذلك وللزم بطلان الصلاة، ومع الإستحباب لا يقتضي البطلان، إذ مع وضوحه.

لا حاجة للسؤال من مثل زرارة سلام الله عليه. بل المراد من قوله فيما لا (ينبغي) في المقام هو ما يليق بحال الصلاة والمناسب لها من باب تناسب الحكم مع الموضوع وذلك بحسب التداول وما عليه المتعارف في الخارج، ولما كان التكليف المقرر في الأخيرتين من التسبيح والقراءة فما يليق به الإخفات كما دلّت عليه السيرة، فكان هو مما ينبغي، والإجهار فيها ممّا لا ينبغي فتدخل في دائرة الصحيحة من أنّ الإجهار في مثله يوجب البطلان والإعادة.

هذا في الحمد إجمالاً وأمّا الإخفات في التسبيحات، فهذا هو المشهور المعروف أيضاً، وربما ادعى بعضهم الإجماع عليه وإنّه ظاهر الأصحاب وفي رياض المسائل: (ظاهرهم الإتفاق عليه) وعن الجواهر: (عساه يظهر من الأستاذ الأكبر ـ شيخنا كاشف الغطاء قدس سره ـ أيضاً).

وإستدلوا على ذلك بوجوه:

الأول: لإحتمال دخوله في معقد الإجماع.

الثاني: بظهور دخوله في التسوية بين الحمد والتسبيحات في رواية علي ابن حنظلة كما مرّ، وإذا ثبت وجوب الإخفات في القراءة كما مر ثبت وجوب التسبيح أيضاً للتساوي بينهما.

الثالث: بما ورد من النصوص الدالة على أنّ صلاة النهار إخفاتية^([2]).

فإنّ إطلاقها يقتضي كون تسبيحها كذلك بالإخفات، ثم يلحق الليلة بها لعدم القول بالفصل.

الرابع: بصحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام (عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرء فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال: إن قرات فلا بأس وإن سكت فلا بأس) ^([3]).

وجه الإستدلال: أوّلاً: بناء على أنّ المراد من الصمت هو الإخفات، لإنّه ثبت بالإجماع ليس للإمام الصمت في الركعات.

وثانياً: إنّ المراد من الركعتين أي الأخيرتين، فإن توصيفهما بما ذكر من صمت الإمام فيهما يكشف عن معودية الحكم عند المسائل كذلك وأن الإخفات فيها شيء مسلّم مفروغ عنه.

وأورد على الأوّل: أن مجرد إحتمال الدخول في الإجماع لا يعتمد عليه.

وعلى الثاني: أنّ ظهور التسوية بما يتعلق بما نحن فيه من حيث الجهر والإخفات ممنوع وبعيد جداً، وخارج عمّا نحن فيه وعلى الثالث: