فقه (70)

26 جمادى الأولى

1441 هـ

عطفاً على ما سبق: في كيفية التسبيحات في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية والركعة الثالثة من الثلاثية وقد إختلف الأعلام من المتقدمين والمتأخرين ومتأخر المتأخرين والمعاصرين على أقوال كما مرّ تفصيل ذلك وذهب المصنف قدس سره إلى أنّها عبارة عن (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) ثم قال: (والأقوى إجزاء المرة والأحوط الثلاث).

أقول: أمّا اجزاء المرة الواحدة فهذا ما ذهب إليه المشهور بل نسب إلى الأشهر تارة وإلى مذهب الأكثر أخرى، كما في جملة من كتب الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والمحقق الحلي والعلامة الحلي والشهيد الأوّل والشهيد الثاني والمحقق الثاني والمقدس الأردبيلي ومن تبعه من تلامذته وغيرهم قدس الله أسرارهم الزكيّة، وفي المستمسك (6: 255) عن المصابيح إستظهار الإجماع عليه في بعض الطبقات وعلى صاحب الجواهر قدس سره أنه قد صرّح به فيما يقرب من خمسين كتاباً على ما حكي عن حملة منها.

ويستدل على ذلك بطائفة من الروايات وعمدتها صحيحة زرارة كما مرّت.

قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال عليه السلام: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وتكبّر وتركع^([1]).

وجه الإستدلال: ظهورها في دلالتها على كفاية المرة الواحدة، بقرينة تعرض الإمام عليه السلام لبيان التكبير للركوع مع أنّه لم يسال عنه ثم الأمر بالركوع بعده مما يظهر منه عدم وجوب شيء زائد على الركوع ومنه يظهر ظهوراً تاماً بعدم وجوب التكرار ولولا ذلك لتعرّض لبيانه، ولو كان لبان، فإنّه أولى بالبيان من بيان التكبير المستحب كما هو الظاهر.

ومنها: روايتا ابن عمران وإبن حمزة ـ كما مر ـ عن أبي عبد الله عليه السلام لأي علة صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين؟ قال عليه السلام: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز وجل فدهش فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر...) ^([2]).

وجه الإستدلال: أنّ التسبيحات هي التي تذكر في الركعتين الأخيرتين ولم يذكر تكرارها ممّا يدل على كفاية المرة الواحدة.

إلّا أنّه أورد عليه: بعدم الإطلاق فيهما لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة بأنّه مرة أو ثلاث فتأمل.

ثم عن صريح النهاية والإقتصار ومختصر المصباح والتخليص والبيان وربما حكى عن غيرهم كما في المستمسك: وجوب تكرارها ثلاثاً كما مرّ في الأقوال، وعن السيد العاملي في المدارك: عدم الوقوف على مستند له ولكن إستدل له بما رواه في أوّل السرائر نقلاً عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام كما مر (إن كنت إماماً ققل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ثلاث مرات ثم تكبر وتركع^([3]).

ولكن رواه الصدوق في الفقيه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: إذا كنت إماماً أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله الله ثلاث مرّات تكملة تسع تسبيحات ثم تكبّر وتركع^([4]). أي تقول ذلك ثلاث مرات فيكون تسع تسبيحات كما هو أحد الأقوال في المسألة كما رواه في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة مثله إلّا أنّه أسقط قوله عليه السلام: (تكملة تسع تسبيحات) وقوله عليه السلام: (أو وحدك) وعن العلّامة المجلس في بحاره أنه روى ابن إدريس هذا الخبر من كتاب حريز في باب كيفية الصلاة وزاد فيه بعد: (لا إله إلّا الله) (والله أكبر) فصارت التسبيحات إثني عشر مرة كما كان أحد الأقوال في المسألة كما مر، ورواه في آخر الكتاب في جملة ما استطرفه من كتاب حريز ولم يذكر فيه التكبير، ولكن النسخ التي رأيناها متفقة على الإثبات وزيادة التكبير في كتاب الصلاة والإسقاط إنّما هو في المستطرقات، وربما لهذا الأمر لم يستبعد في الوسائل أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين: مرة تسع تسبيحات ومرة إثنتي عشرة تسبيحة وأورده حريز في كتابه مرتين إنتهى كلامه مع التوضيح وأورد عليه: أوّلاً: يستبعد جداً تكرار السؤال من زرارة في واقعة واحدة.

وثانياً: لو كان الأمر كذلك لرواه في السرائر كذلك وكذا في الفقيه، والحال ما حكاه في المعتبر والتذكره والمنتهى نسبة القول بالتسع إلى حريز وإستدلوا له بهذه الرواية، وهذا شاهد على سقوط التكبير والإكتفاء بالتسبيحات التسع وذلك على سبيل منع الخلو: إمّا للوثوق برواية التسع فتكون حجة وعدم الوثوق برواية الثبوت فلا تكون حجة، فلا يكون المقام حينئذٍ من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة حتى يقال بالتساقط.

وأمّا الترجيح رواية السقوط بناء على أنّ تعارض النسخ من قبيل تعارض الحجتين، فيرجع فيه إلى الأخبار العلاجية وقواعد التعارض كما هو الظاهر، فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو السقوط فإنّ الثبوت من الزيادة.

وقال في البحار: (الظاهر زيادة التكبير من قلمه أو من النساخ لأنّ سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير).

وإستدلوا على وجوب التسبيحات الأربع ولثلاث مرات بخبر رجاء بن أبي الضحاك كما مرّ المروي في الوسائل عن العيون: (أنّه صحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى الامرو) فكان يسبح في الأخيرتين يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) ثلاث مرّات ثم يكبر ويركع^([5]).

وأورد عليه: أوّلاً: بضعف السند وأنّه لميجبر بعمل الأصحاب.

وثانياً: عمل ا لإمام لا إطلاق فيه فليس كقوله عليه السلام وإنّما يدل على أصل المشروعية أو رجحان العمل فيكون من العمل المجمل فلا يستدل به على الوجوب والإطلاق.

وثالثاً: المذكور في البحار: أنّ النسخ القديمة المصححة بدون التكبير.

فثبت المطلوب من كفاية المرة الواحدة من التسبيحات الأربع.

وكان من الأقوال: وجوب تسع تسبيحات كما عن حريز والصدوقين وإبن أبي عقيل وأبي الصلاح تمسكاً بصحيحة زرارة عن الفقيه إلّا أنها معارضة بغيرها كما مرّ.

ومن الأقوال: وجوب عشر تسبيحات كما عن مبسوط الشيخ وجُمله وجُمل السيد المرتضى ومصباحيها والغنية وهداية الصدوق وغيرها بإسقاط التكبير في الأوليين وإثباته في الأخيرة، وكأنه أيضاً تمسكاً بصحيحة زرارة المروية في الفقيه بناء على أنّ المراد من قوله عليه السلام و(ويكر) غير تكبير الركوع ومرّ جوابه.

وكان من الأقوال: التخيير وقد إختلف الاعلام في كيفيته فقيل: التخيير بين جميع ما ورد في الروايات، وقيل التخيير بين ما ورد في خصوص الصحاح، وقيل: التخيير بين ما ورد في صحيحي زرارة، وقيل التخيير بين الأربع والتسع والعشر والإثني عشر وقيل: التخيير بين العشر والإثني عشرة، والظاهر أنّ منشأ هذه الأقوال هو لسان الروايات ومقتضى الجمع العرفي أوالتبرعي بينها ولكن كما قيل: أنّ العمدة في النصوص صحيحي زرارة الدال على الأربع والدال على التسع وصحيح الحلبي الدال على الثلاث وصحيح زرارة الوارد في المسبوق إلّا أنّ الأخير أن كما قال سيدنا الحكيم قدس سره لم يظهر عامل بهما معتدبه، فالإعتماد عليهما لا يخلو من اشكال، والأحوط الإقتصار على الأولين والجمع العرفي يقتضي التخيير بين مضموينهما والله سبحانه العالم.