فقه (69)

25 جمادى الأولى

1441 هـ

عطفاً على ما سبق في بيان الأقوال في كيفية وكمية التسبيحات، فالقول السادس: ما نسب إلى إبن أبي عقيل بأن يكفي ويجزي في التسبيحات أن يقول ثلاث مرات (سبحان الله) ويستدل عليه برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: قال أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله^([1]).

وأورد عليه بضعف السند كما أشار إليه سيدنا الخوئي قدس سره (شرح العروة الوثقى: 14: 467) من جهتين: الأولى: لضعف طريق الصدوق أي وهيب بن حفص بشيخه محمد بن علي ما جيلويه فإنّه لم يوثق، والثانية من جهة محمد بن علي الهمداني الذي استظهر الأردبيلي في جامعه (جامع الرواة: 2: 392، 542) إنّه محمد بن علي القرشي أبو سمينة المعروف بالكذب، ولكنه في غير محله، بل هو محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية وإن كان ضعيفاً أيضاً، حيث استثناء ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة (رجال النجاشي: 348 / 939) ولأجل ذلك لا يمكن الإعتماد على رواياته.

فيسقط القول حينئذٍ عن الإعتبار ولم يعمل به الأصحاب وإن قيل به فإنّه بإعتبار كفاية مطلق الذكر في الأخيرتين كما هو أحد الأقوال فلا خصوصية للتسبيحات الثلاث.

وخلاصة الأقوال المذكور: إنّه يكفي التسبيحات التسع بل التسبيحات الأربع ولمرة واحدة، بل بالتسبيحات الثلاث.

ومن الأعلام المعاصرين من يرى عدم الإستبعاد وبكفاية التسبيح والتهليل والتكبير بل وحتى الدعاء تمسكاً بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: قال: عشر ركعات: ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء والأخيرة لا يجوز فيهن الوهم ـ إلى أن قال ـ وهي الصلاة التي فرضها الله، وفوّض إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فزاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة، إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء فالوهم إنّما هو فيهن) ^([2]).

كما لا يبعد الإجتزاء بأقل من ذلك، فيكفي التسبيح والتحميد والإستغفار تمسكاً بصحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك وإن شئت خاتمة الكتاب فيها تحميد ودعاء^([3]).

وجه الإستدلال: ما يظهر منها جواز الإكتفاء بالتحميد والدعاء من دون الإستغفار والتسبيح أيضاً وما الحمد إلّا مصداق من مصاديق التحميد والدعاء.

والقول السابع: هو التخيير بين جميع هذه الصور وجواز العمل بكل ما تضمنته النصوص الصحيحة الواردة في هذا الباب ونسب هذا القول إلى سيدنا إبن طاووس قدس سره على ما حكاه عنه صاحب الذكرى (3: 315) والمحقق في المعتبر (2: 190) ومال إليه جملة من المتأخرين، ولا يبعد هذا القول بل قريب جداً لصحة الأخبار سنداً ووضوحها دلالة، ولا تعارض بينها بل غاية ما في الأمر أنّ ظاهر كل واحد منها تدل على الوجوب التعييني إلّا أنّه جمعاً بين الأخبار تحمل على التخيير.

وأمّا القول الثامن: هو الإجتزاء والإكتفاء يطلق الذكر وان لم يكن بإحدى الصور والكيفيات المتقدمة وإستدلوا على ذلك بوجوه؟ منها:

الأوّل: ما نراه من الإختلاف الكبير الواقع في نصوص الباب في تعيين الأذكار، مما يكشف أن المعتبر هو مطلق الذكر وما ذكر إنّما هو بيان جملة من مصاديقه وأمثلته، وهذا نظير ما يقال في أدعية صلاة الميت فمع وجود الإختلاف لا يقتضي أن يكون المراد مطلق الذكر بل ينبغي مراعاة الوارد، فلا دليل لنا على كفاية مطلق الذكر، فتأمل.

الثاني: رواية علي بن حنظلة كما تقدمت قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال ان شئت فأقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فأذكر الله فهو سواء، قال قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت^([4]).

وجه الإستدلال: ظهور الرواية من أنّ العبرة هومطلق الذكر سواء أكان بالحمد أو غيره.

وأورد عليه: أوّلاً: بضعف السند فإنّ علي بن حنظلة لم يوثق، إلّا أن جمع من عبر عن الخير بالموثق، كما قبلوا روايات أخيه عمر بن حنظلة كما فيروايته المعروفة بمقبولة عمر بن حنظلة في ولاية وحكومة الفقيه.

وثانياً: قصور الدلالة فإنّ غاية ما تدل على الإطلاق وقد قيّدت بالروايات الأخرى من التقييد بالذكر المخصوص كما هو الحكم في المطلق والمقيد.

وثالثاً: يمكن الاشكال في أصل إنعقاد الإطلاق في ذيل الرواية من قوله عليه السلام (إن شئت سبّحت) ممّا يدل على أنّ المراد من الذكر هو التسبيح.

وخلاصة الكلام: أنّ النصوص الواردة في المقام مختلفة اللسان، والأحوط وجوباً الإتيان بالتسبيحات الأربع المعروفة وأكثر إحتياطاً أن يكررها ثلاثاً على ما عليه السيرة المتشرعة كما هو المختار ولا فرق في ذلك سواء أكان المصلي إماماً أو مأموماً مسبوقاً أو منفرداً.