أصول (63)

24 جمادى الأولى

1441 هـ

يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في مبادئ الإجتهاد المصطلح فقد ذكر الاعلام في المبادئ التصورية والتصديقية للإجتهاد جملة من العلوم منهم من قال بستة علم ومنهم من زائد عليها ستة أخرى، ومنهم من زاد على الإثني عشر ستة أخرى وهكذا، إلّا أنّ المصنف إنّما أشار إلى ثلاثة منها: وهي العلوم العربية ن علم النحو والصرف واللغة، وعلم التفسير وعلم الأصول.

أمّا العلوم العربية: فالوجه في ذلك: أنّ الغالب في الفتاوى في إستخراج وإستنباط الأحكام الشرعية الفرعية إنّما هو من الكتاب الكريم والسنة المطهرة ومنها قول المعصوم النبي أو الوصي عليهما السلام، والعلم بهما متوقف على معرفة اللّغات من حيث ما وضع لها وإستعمالها على نحو الحقيقة فيما وضع له وعلى نحو المجاز في غير ما وضع له من العلقة والقرينة وعلم النحو بإعتبار آخر الكلمات من جهة الاعراب والبناء بإعتبار العوامل وعلم الصرف من جهة حروف الكلمة وإعرابها وبنائها في أولها ووسطها وآخرها والاعلال والإقلاب، وما يلحق به كعلم لإنشقاق ثم لا يخفى أنّ هذا لا يعني أن قول اللغوي أو النحوي أو الصرفي حجة، بل عند المراجعة اليهم ربما يحصل للمجتهد اليقين أو الإطمئنان القلبي أن معنى الآية الكريمة أوالحديث الشريف هو هذا المعنى، فمن أجل الوثوق والإطمئنان نقول بالرجوع إليهم.

ثم ليس المراد من معرفة هذه العلوم هو حضور مسائلها ومباديها التصورية والتصديقية في الذهن، بل يكفي عند المراجعة إليها يعلم بها.

فلا إشكال في توقف الإجتهاد على العلوم العدلية كتوقف ذي المقدمة على مقدمتها الوجودية، فإن عمدة أدلة الفقه هو الكتاب والسنة القولية وهما من العربية، والنطق بها صحيحة يتوقف على عنونها من اللغة والنحو والصرف والإشتقاق ويلحق بها علم البلاغة والفصاحة وعلم العروض كما قيل:

وأمّا توقف الإجتهاد والمصطلح على معرفة علم اللغة، لإنّه يلزم إحراز معاني المفردات الواردة في الأدلة مثل لفظ الصعيد فيا ترى هل هو التراب أو مطلق وجه الأرض فيشمل الحصى فيجوز التيمم عليه ومثل الكعب والكف واليد والآنية والغناء وما شابه ذلك مما يتعلق بها الحكم الشرعي.

وأمّا توقفه على علم النحو لإنّه به يعرف معانيها التركيبية الحاصلة من تركيب العوامل اللفظية والمعنوية مع المعمولات، فيلزم معرفة الفاعل عن المفعول وعن الحال والمبتداء والخبر ونحو ذلك.

وأمّا توقفه على علم الصرف: فلإنّه به تعرف الهيئات المختلفة الطارئة على المادة وتصاريفها الموجبة لاعتوار المعاني المشتقة عليها بالمضي في الفعل الماضي، الإستقبال والحضور في الفعل المضارع والأمر في فعل الأمر وغيرها.

وأمّا علم البلاغة، فليس له دخل كما في العلوم الثلاثة سابقة، إلّا أن بعض مباحثه ما يرتبط بالإجتهاد كبحث الإنشاء والأخبار والقصر والحصر ، كما لو قيل في التعارض وتقديم الأرجح مطلقاً فيقدم الأفصح على النصيح.

وأمّا علم العروض ومعرفة أو زان الشعر والقوافي فهذا ما لا دخل له في الإجتهاد كما لا يخفى.

ثم لا يلزم معرفة هذه العلوم أن تكون بالفعل وحاضرته عنده وفي ذهنه وصدره، بل يكفي ملكة الاقتدار علمها بمراجعة الكتب المدّونة لها وفيها.

وأمّا علم التفسير: فإنّه كذلك ممّا يتوقف عليه الإجتهاد وأنّه يكفي أن يعلم به في الجمعة في خصوص آيات الأحكام.

ولا يخفى أنّ التفسير يطلق على معنين: تارة يراد منه كشف القناع عن ظواهر الألفاظ بأن يكون اللفظ في نفسه مجملاً كقوله تعالى ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾.

ففي التفسير وكشف القناع يرفع الإجمال عنها، فالآية تكون مجمعة في نفسها أو في بعض أفرادها كما في الآيات المتشابهات.

وأخرى: للفظ ظهور كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾ ولكن في التفسير يبين بأنّ الظاهر ليس هو المراد وأنّه يجب الإستماع والانصات كلما قرء القرآن الكريم، وإنّما هو في خصوص القراءة في صلاة الجماعة عند يقرء الإمام الحمد والسورة في الجهريات ويسمعه المأموم، فلا يقرء بل يستمع إلى قراءة الإمام.

فيكون الطهور الأول من الأمر إستحباباً حينئذٍ وفي قراءة الإمام وجوابها، فالتفسير تارة لرفع الإجمال في الألفاظ وأخرى لبيان خلاف الظاهر بأنّ المراد دون الظاهر.

ومن هذا التعريف لعلم التفسير يعلمه بأنه وكتب التفسير ليس مقدمة للإجتهاد بنحو مطلق، فإنّه لابدّ من حجيّة التفسير وذلك إذا إنتهى إلى قول المعصوم عليه السلام إلى النقل المتواتر أو ما كان محفوفاً بالقرائن القطعية أو ما يعمل به، فلابدّ حينئذٍ من الرجوع إلى سند الأخبار أوّلاً وإلى ما فيه وضوح الدلالة في مقصود الشارع ثانياً.

والظاهر هذا ما يقصد المصنف قدس سره من معرفة التفسير في الجملة ولو بان يقدر على معرفته بالرجوع إلى كتب التفسير، فتأمل.

وأمّا علم الأصول يأتينا إن شاء الله تعالى.