فقه (66)

20 جمادى الأولى

1441 هـ

عطفاً على ما سبق: فيمن نسى القراءة في الركعتين الأوليتين فإنّه في الأخيرتين يتغير بين الحمد والتسبيحات الأربع كما ذهب إليه المشهور خلافاً للشيخ في الخلاف فذهب إلى وجوب الحمد في الأخيرتين ويستدل على ذلك بطائفة من الروايات كما مر إلّا أنّها قابلة النقاش تارة من حيث السند وأخرى من حيث تصور الدلالة وبقي منها: رواية الحسين بن حماد الوسائل: 20 ـ وعنه ـ محمد بن الحسن ـ عن أحمد بن محمد عن إبن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن الحسين بن حمّأد:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: إقرأ في الثانية، قلت: أسهو في الثانية، قال: إقرء في الثالثة، قلت: أسهو في صلاة كلّها، قال: إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك^([1]).

ذهب بعض الأعلام المعاصرين إلى أنّ عمدة في ما اسند إلى الشيخ من وجوب الحمد في الأخيرتين هي هذه الرواية كما إستدل بها صاحب الحدائق أيضاً وبناء على أنّ ظاهر الأمر فيها هو الوجوب تعيناً.

ووجه الإستدلال: إنّه من حيث الدلالة لا قصور فيها لظهورها في أنّ تكليف الناسي في الأولى والثانية أن يتدارك ذلك في الثالثة وإلّا ففي الرابعة، حتى لا تخلو الصلاة من الفاتحة، فإنّه لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب في الجملة.

وأورد على الإستدلال بها: أوّلاً: بأنها معارضة بالطائفة الأولى من الروايات الكثيرة والصحيحة سنداً والواضحة دلالة الدالة على التخيير، وتقدم عليها لما فيها من المرجحات السندية والدلالية.

ولكن أجيب عنه: يمكن الجمع بينها بالجمع العرفي الدلالي وبذلك يرتفع التعارض، من جهة كون أخبار التخيير مطلقة وتقيّد بهذه الرواية، بأنّه مخير في الأخيرتين بين الحمد والتسبيحات الأربع إلّا إذا كان ناسياً في الأوليتين فتعين عليه الحمد في الثالثة والرابعة، فيقدم ظهور المخصص والقيد على العام والمطلق كما هو ثابت في محلّه.

وثانياً: من حيث السّند فإنّ الحسين بن حماد مهمل ولم يوثق في كتب الرجال كما أشار إلى ذلك سيدنا الخوئي قدس سره حديث الفن في معرفة الرّجال.

وأمّا عبد الكريم بن عمرو، فقد صرّح الشيخ بأنّه واقفي خبيث (رجال الطوسي: 339/ 5051) وعلى مبنى من قال من كان فاسد المذهب لا يؤخذ بخبره يكون ضعيفاً حينئذٍ، ولكن على مبنى من قال يكفي في أخذ الخبر أن يكون موثقاً في قوله وإن كان فاسداً في مذهبه فإنّه يأخذ بخبره إذ نصّ النجاشي على توثيقه (رجال النجاشي: 245: 645) فتأمل.

وثالثاً: على فرض صحة السند فإنّها معارضة بروايتين يستظهر منهما عدم الوجوب وعدم تعيّن الحمد دون التّخيير.

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: الرّجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليتين فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرء؟ قال: أنّه الركوع والسجود؟ قلت: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليتين فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرء؟ قال: أنّه الركوع والسجود؟ قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها^([2]).

وجه الإستدلال: يحتمل أن يكون المراد من الكراهة بجعل آخر الصلاة أوّلها هي كراهة قراءة الحمد في الأخيرتين وحينئذٍ تكون الرواية صريحة في المقصود من عدم وجوب وتعين الحمد في الآخرتين، بل وتدل على أفضلية التسبيح مطلقاً حتى للسّاهي كما احتمله جماعة، فتأمل.

ويحتمل أن يكون المراد من الكراهة كراهة قراءة الحمد والسورة، فإنّه بهما يصدق الإنقلاب بأن يجعل آخر الصلاة كأوّلها كما إحتمل هذا المعنى صاحب الحدائق قدس سره (الحدائق: 8: 421) فتكون الرواية حينئذٍ ظاهرة وليست صريحة كما في الإحتمال الأول على المطلوب، فإنّه يظهر منها أنّ التكليف مع النسيان هو التخيير بين الحمد والتسبيحات وليس الحمد مع السورة، فلا يترتب على النسيان والسهو حينئذٍ شيئاً ولو كان لبان ولوجب التنبيه عليه، فتأمل.

فالظاهر من الرواية أنه لم يرتب على السهو أثراً، ولولا ذلك لبقى سؤال السائل بلا جواب حينئذٍ.

فذّلت على عدم لزوم تدارك الحمد بل يبقى الحكم السابق كما كان عليه من القول بالتخيير، فتأمل.

الثانية: موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نسي أن يقرء في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود^([3]).

وجه الإستدلال: واضح فإنّه تدل على كفاية التسبيح من دون تعين الحمد ووجوبه في الآخرتين.

ومع هذه المناقشات فيما إستدل به على وجوب الحمد في الأخيرتين أنّ الصحيح هو التخيير للنّاسي أيضاً كما هو المختار.

تنبيه:

قال المصنف قدس سره: في الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات الأربع، وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، والأقوى إجزاء المرّة والأحوط الثلاث.

اقول: يقع الكلام في مقامات: الأوّل: في تعيين التسبيح الذي هو طرف التخيير بينه وبين الحمد، والثاني: كفاية وأجزاء المرة الواحدة والثالث: ما ذكره المصنف من الإحتياط بتكرار ذلك ثلاث مرات.

أمّا المقام الأوّل والثاني فقد إختلف الأعلام في الكيف كما إختلفوا في الكم على أقوال: سبعة: كما أشار إليها سيدنا الخوئي قدس سره:

الأول: أن كيفه وصورته هكذا : (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) وأن يكرّرها ثلاثاً، فيكون المجموع إثني عشر تسيحاً ـ والتسيح مصدر وإشارة إلى قوله (سبحان الله) ثم التحميد إشارة إلى قوله (الحمد لله) والتهليل إلى (لا إله إلّا الله) والتكبير إلى (الله أكبر) وسُميّ الجميع بالتّسبيح مجازاً، من باب تسمية الكلّ بإسم الجزء كأعتق رقبة إشارة إلى الإنسان.

وهذه الكيفية هي المشهورة والمعروفة في سيرة المتشرعة، ونسب ذلك إلى الشيخ في النهاية (ص: 76) والإقتصاد: (ص: 261 ـ عنها: شرح العروة: 14: 460) وإلى إبن أبي عقيل فإنّه قال يذكر التسبيحات الأربع سبعاً أو خمساً وأدناها ثلاث، وحكاه عنه في المختلف: (2: 164).

وإستدلوا على ذلك بروايات:

منها: ما في الفقه الرضوي، فإنّه قد صرّح بذلك (فقه الرضا: 105).

وأورد عليه بضعف السند بل بالشك في انتسابه إلى الإمام الرضا عليه السلام، فإنّه لم يثبت ذلك.

ومنها: رواية رجاء بن أبي الضحاك في (عيون الأخبار) عن حكيم بن عبد الله القرشي عن أحمد بن علي الأنصاري عن رجاء:

أنّه صحب الإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو مكن يسبّح في الآخر أوين يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) ثلاث مرات ثم يركع^([4]).

وجه الإستدلال: واضح من حيث الكيف والكم، إلّا أنّه أورد عليه:

أوّلاً: بضعف السّند، برجاء بن أبي الضحاك وغيره.

وثانياً: إنّما نقل فعل الإمام عليه السلام وحكاية الفعل لا يدل على الوجوب، بل غاية دلالتها أنّ العمل مشروع أو أنّه راجح، ولعلّ اختياره ذلك لكونه أفضل الأفراد أو إشارة إلى مخالفة العامة فإنّ الرشد في خلافهم.

وثالثاً: لقد وقع إختلاف في النسخ فقد حكي صاحب الحدائق (8: 414) عن العلامة المجلسي قدس سره في بحاره (82: 88) إلى أنّ النخسة المصححة من العيون لا تشتمل على التكبير، ومجرد إحتمال الناشئ من إختلاف النسخ يكفي في عدم الوثوق بما هو الصادر عن الإمام عليه السلام وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.