أصول (37)

12 ربيع الثاني

1441 هـ

عطفاً على ما سبق في أحكام الإجتهاد المطلق وإنّه ممكن ذاتاً بإعتبار مقام الثبوت ووقوعاً بإعتبار مقام الإثبات، فلا دليل ولا موجب لإمتناعه عقلاً ولا نقلاً، فإنّ تحصيل القوة النظرية الشديدة والتي عبارة عن الإقتدار الدال على الملكة فإنّه بمكان من الإمكان.

ولكن أورد عليه بتوهم وهو: (إن كان الإجتهاد المطلق ممكن ذاتاً إلّا أنّه لم يقع ذلك لمنافاة وقوع الملكة المطلقة مع تردد المجتهد المطلق في فتاواه وفي المسائل.

بيان ذلك: إنّ مقتضى  الإقتدار والملكة هو القدرة الشديدة على إستنباط الأحكام وإستخراج الحكم في كل مسألة من دون تردد فإنّ التردد في بعضها يكشف عن عدم تحقق الإجتهاد المطلق.

وفي مقام الوقوع فمثل المحقق الحلّي خربت فن الفقه والعملاق العبقري فيه قد تردد في كثير من الفروع في كتابه القيم (شرايع الإسلام) وقد ألف بعض الأعلام كتاباً حول ترددات الشرايع، ومن الواضح أن مثل المحقق لو لم يكن مجتهداً مطلقاً فمن المجتهد المطلق بل كما قيل فعل المجتهد المطلق السَلام، وحينئذٍ مع هذا التردد الكثير كيف يدعي إمكان الإجتهاد المطلق ذاتاً فضلاً عن وقوعه.

وأجيب عن هذا التوهم الفاسد: بأنّ المجتهد المطلق إنّما هو بملكته الإجتهادية قادر على إستنباط جميع الأحكام الشرعية الفرعيّة إلّا أن غايته أعمية الأحكام المستنبطة من الأحكام الواقعية أو الأحكام الظاهريّة.

وأمّا تردّد مثل المحقق الحلّي قدس سره إنّما هو في الحكم الواقعي ومن الواضح أنّ معلول علّته، وعلّة التردد في الحكم الواقعي إمّا لأجل عدم الظفر بالدليل على الحكم الواقعي بعد الفحص عنه في مظانّه بالمقدار المطلوب، وإمّا لإجمال النص، أو التعارض النصين وعدم وجود المرجح في أحدهما في البين، فلم يكن التردد لقلة الإطلاع أو قصور الباع على مدارك الأحكام وعدم المعرفة التّامة بها بل إنّما هو لسبب آخر كفقد النص وإجماله وتعارضه.

وأمّا بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي فلا تردد فيه، لأنّه في تعارض الخبرين أمّا أن يأخذ بما فيه الأرجحيّة أو بأحدهما بمقتضى التخيير الظاهري المجعول بأدلة التخيير وإطلاقها بين المتعارضين، وفي بعض الموارد مع فقد النّص يحكم بالإحتياط إذا كان الشك في المكلف به أو البراءة إذا كان في التكليف، وإن كان المورد من الشك في المكلف به يحكم بالإشتغال العقلي بالجمع بين أطراف العلم الإجمالي فعلاً أو تركاً، وعليه فلا وجود للمنع عن وجود الملكة المطلقة لا واقعاً ولا خارجا، ممّا يدل على إمكانها ذاتاً ووقوعاً.

ثم المراد من المجتهد المطلق من كان قادراً على إستنباط أكثر الأحكام وإن لم يتمكن من إستنباط القليل منها، فتأمل.

حجيّة آراء المجتهد لعمل نفسه ولعمل غيره

يقع الكلام في وجوب عمل المجتهد المطلق بآراء نفسه التي إستنبطها من الأدلة ويترتب على ذلك عدم جوازتقليده للغير.

فلا ريب ولا إشكال في جوازعمل المجتهد المطلق بآراءه وفتاواه، لأنّه يصدق عليه كونه عالماً بالأحكام عن أدلتها المعتبرة نقلاً وعقلاً، فيجوز له العمل بما استنبط حينئذٍ. كما يجوز له الإحتياط إلّا أنّه بناءً على كون الإحتياط في عرض الإجتهاد والتقليد كما يقال المكلف أمّا أن يكون مجتهداً أو محتاطاً أو مقلّداً في مقام إمتثال التكاليف والوظائف الدينية الواقعية، وإلّا لتعين عليه العمل بإجتهاده دون الإحتياط والتقليد.

فإنّه لا يجوز له تقليد غيره.

والوجه في ذلك: فإنّه من الضروري أن فتوى الغير أمّا أن تكون مطابقة لفتواه فلا معنى للرجوع إلى ذلك الغير، وأمّا أن تكون مخالفة لها فكذلك لا يرجع إليه لإنّه بعلمه يحظى غيره، فالرجوع إليه حينئذٍ يكون بحسب إعتقاده من رجوع العالم إلى الجاهل، وهذا ما لا يجوز عقلاً ونقلاً أي شرعاً.

ومن ثم يحرم على المجتهد المطلق التقليد وهذا ما يشار في إجازات الإجتهاد ومن حرمته التقليد عليه.

فلا إشكال في جواز العمل بهذا الإجتهاد المطلق لمن اتصف به، والمراد من الجواز ما هو الأعم الذي يصدق على الوجوب أيضاً وليس الجواز بالمعنى الأخص الدال على الإباحة وحسب.

ولا يخفى أنّ المقصود من وجوب العمل بإجتهاده دون الرجوع إلى غيره أمّأ أن يراد به الوجوب التعييني بناء على طولية مراتب التكليف والإطاعة بين الإجتهاد والتقليد، الوجوب التخييري بين الإجتهاد والتقليد والإحتياط بناء على عرضيّة مراتب الإطاعة.