فقه (39)

6 ربيع الثاني

1441 هـ

مسألة 33: من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلم أجزاه ذلك ولا يجب عليه الإئتمام، وإن كان أحوط، وكذا الأخرس لا يجب عليه الإئتمام.

أقول: عطفاً على ما سبق وتفريعاً لما مرّ فيمن من لم يحسن القراءة كما لم يقدر إلّا على القراءة المحلونة أي التي فيها الغلط واللّحن، الصداق الآخر لمن لا يحسن القراءة فيما إذا كان يبدّل بعض الحروف مكان بعض فهؤلاء كما مر يجب عليهم التعلم والتصحيح مع القدرة والإمكان وإن لم يستطع على التعلّم وكان عاجزاً بعجز قصوري كما مرّ، فإنّه يأتي بما يتمكن منه وتكون صلاته الناقصة كما في مقام الإضطرار مجزية عن الصلاة الإختيارية الكاملة، أو أنّها هي صلاته الواقعية بناء على أنّ الواقع ذو مصداقين: الواقع الإختياري والواقع الإضطراري فيكون كل واحد في عرض الآخر، ولكن من قال بالإجزاء فإنّه يرى الإضطراري في طول الإختياري، فتأمل فهذا من النزاع المبنوي كما في علم الأصول.

فالعاجز القاصر يأتي بما يتمكن منه من صلاته وقراءته، وأجزأه ذلك كما عن غير واحد من الاعلام التصريح به، بل قيل: (خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال) ^([1]).

ويستدل عليه: بالشهرة أو الإجماع وتمسكاً بطائفة من الروايات بعضها ضعيفة الإسناد إلّا أنّه عمل بها الأصحاب منها: خبر مسعدة بن صدقة: عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إنّك قد ترى المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد، وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح^([2]).

وجه الإستدلال: بعد ضعف السند بالإرسال وجبره بعمل الأصحاب وأنّ المراد من المحرم من العجم كالاعرابي من العرب وهو من لم يكن حضرياً كمن كان قروياً وأُميّاً لا يجيد القراءة والكتابة وغير متمكن من التعلّم، فإنّه يجزيه ما يتمكن منه ولا يراد منه ما يراد من المتكلم العربي الحضري الفصيح.

وأمّا لفظة العاقل في الحديث الشريف: فربما إشارة إلى سرّ اللغة في إطلاق الأعجمي على غير العربي، فإنّ العربية بمعنى الإفصاح والاعراب بمعنى الإظهار كإظهار الحركات على الحروف لمعرفة ما ورائها من الإختلاف في المعاني والأفعال والأسماء ففي مقام الإفهام والتقسيم بين العقلاء إنّما يكون بالكلمات والألفاظ التي تبين المقاصد والمعاني، ولم يكن فيها الإبهام، وأمّا الأصوات المبهمة فإنها من الحيوانات وتسمى بالعجماوات أي أصوالتها ليس كأصوات الإنسان الذي يفهم منه ما يريد، بل الإنسان لا يفهم ما يريده الحيوان في صوته، فكان بالنسبة إليه مبهماً يعني أعجمياً ولم يكن عربياً واضحاً مبيناً، فكنى باللغة العربية الفصيحة بالعاقل وهو الإنسان في مقابل الحيوان الذي يُبهم في أصواته العجمية، فتأمل فهذا من تعصّب العرب الذي ورد في الخبر ان ست يدخلون النار بست على نحو الإقتضائية لا العلة بينهم العرب يدخلون النار بالعصبية، فلابدّ من تهذيب النفوس والتربية والتعليم، فإنّه لا فرق بين عربي وأعجمي في الإلهام إلّا بالتقوى وما قدروا الله حق قدره 3 مرات في القرآن والقدر، بالمعرفة والمحبة والإطاعة والولاية والشفاعة الإلهية وتعالى.

ومنها: خبر السكوني عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الرجل الأعجمي في أمتي ليقرء القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته^([3]).

وجه الإستدلال: واضح وأنّ الحديث ليدل على لطف الله سبحانه بعباده، وإنّ الملاك والمناط هو التقوى وليس اللغة ولا القومية العربية، فإنّها خلاف الإسلام والقرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام فإنّ (إكرمكم عند الله أتقاكم).

ومنها: الحديث النبوي الشريف في قصة بلال وإذ أنّه واعتراض الثاني عليه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سين بلال شين عند الله تعالى).

وجه الإستدلال: يظهر من إطلاق روايات الباب أنّه تجزى العاجز القاصر ما تمكن منه، ولو مع إمكان الإئتمام، سواء قلنا بالمبنى الذي يقول أن قراءة الإمام مسقطة أو على مبنى من قال أنّ الإئتمام أحد فردي الواجب التخييري.

وذهب المصنف إلى أنّ الأحوط إلى أن الأحوط في هذه الصورة الإئتمام، إلّا أنّه من الإحتياط الإستحبابي فلا يدل على وجوب الإئتمام كما هو الظاهر من دعوى عدم الخلاف في عدم وجوبه.

وكذا الأخرس لا يجب عليه الإئتمام تمسكاً بإطلاق دليل الإجتزاء بحركة لسانه وإشارته بأصبعه وعقد لقبه على قول.

مسألة: 34 ـ القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم وقرأ من سائر القرآن عوض البقية.

أقول: أيضاً عطفاً على ما سبق فيمن لم يحسن القراءة فإنّه يجب عليه أن يتعلم مع القدرة على التعلّم، فإذا كان في مقام التعلم ولم يتعلم كل الحمد وضاق وقته، فإنّه يقرء منه ما تعلم، وهذا بلا خلاف ولا اشكال، وعن المعتبر والذكرى والروض وإرشاد الجعفرية والمدارك والمفاتيح: دعوى الإجماع عليه، وعن المنتهى نفى الخلاف فيه تمسكاً بقاعدة الميسور وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.