أصول (32)

4 ربيع الثاني

1441 هـ

فعلم أنّ النزاع بين الأخباريين والأصوليين ليس في كبرى تعريف الإجتهاد ولزوم الرجوع فيه إلى الحجة لتحصيل الحكم الشرعي، وإنّما خلافهم في المصاديق والصغريات كما في البراءة في الشبهات الحكمية التحريميّة مع فقد النص بعد البحث فإنّ الأصول يذهب إلى البراءة الشرعية والبراءة العقلية وإلى حجّيتها، بينما الأخباري ينكر ذلك ويذهب إلى وجوب الاحتياط، أو كإنكار المحدثين حجيّة القطع الحاصل من غير الأدلة السمعية، وقد التزم به الأصوليين، ومثل هذا النزاع الصغروي لا يوجب التشنيع والتكفير والله العاصم والمستعان.

ولكن يبقى الاشكال بالنقض وبعدم جامعيته للأفراد في تعريف ما ذهب إليه المصنف قدس سره وعدم مانعيته عن الاغيار، بأنّ المقصود (تحصيل الحجة على الحكم الشرعي) هوتحصيل الحجة على الحكم الشرعي أو تحصيل الحكم من الحجة الشرعيّة؟ فإنّ بينهما فرق واضح فإنّ الأول إنّما يتكفّل بيانه علم الأصول، بينما الثاني يتكفل بيانه علم الفقه.

فإنّه في الأوّل: يكون تعريفاً للإجتهاد في علم الأصول، فإنّه يبحث فيه عن القواعد والكبرويّات الممهدة للإستنباط وبيان الأدلة على الأحكام، فإنّ الباحث عن مسألة حجية الخبر الثقة أوالعدل مثلاً بإقامة الأدلة القطعية عليه من الآيات والأخبار المتواترة إجمالاً وسيرة العقلاء وغيرها، فإنّه يستفرغ وسعه كذلك في تحصيل الحجة كخبر الثقة على الحكم الشرعي، وجاء في تعريف علم الأصول بأنّه (علم بالقواعد الممهدة لإستنباط الأحكام الشرعية) والمقصود من القواعد هي الكبرويات أو العناصر المشتركة أو الحجج الكليّة على الأحكام الشرعية، والحاصل من العلوم أنّ الإجتهاد في الفقه إنّما هو يحصل الحكم الفرعي الجزئي من الدليل بعد الفراغ من إثبات دليله في علم الأصول، وليس هوتحصيل الدليل على الحكم.

ففي الفقه يبحث عن الحكم الشرعي الفرعي الذي يدل عليه الحجة، بينما في الأصول يبحث عن حجيّة الحجّة كلياً، فتعريف الإجتهاد وبأنّه تحصيل الحجة على الحكم الشرعي إنّما يناسب تعريف الإجتهاد في الأصول لا في الفقه، فلابدّ من تحديده بوجه آخر حتى نخلص من هذه الاشكال أو الشبهة والأخباريون عندهم أنّ الإجتهاد المقبول هو تحصيل الحكم من الحجة، وليس تحصيل الحجة على الحكم.

فما قاله بعض الأعلام المعاصرين من كون (الإجتهاد بمعنى تحصيل الحجة على الحكم الشرعي أمراً مقبولاً عند الكل، ولا استيحاش للمحدثين عن الإجتهاد بهذا المعنى لا يخلو من غموض لإختلاف المحدثين والأخباريين مع الأصوليين في المبنىوالتعريف، فتأمل.

ثم في المقام تعاريف أخرى للإجتهاد الفقهي لما في التعاريف المذكور من الاشكال والنقض والإبرام وأنها غير جامعة الأفراد ولا مانعة الأغيار أوأنه خلط بين تعريف الإجتهاد والأصولي وتعريف الإجتهاد الفقهي.

وقد عرف الشيخ البهائي الإجتهاد وبكونه من الملكة لإستنباط الحكم الشرعي، إلّا أنّه أورد عليه أن الإجتهاد (من مقولة الفعل إذ أنّه من باب الافتعال وهو نفس استنباط الحكم من دليله، والملكة من الكيف النفساني فالفعل والإفتعال ليس من المسألة حتى يكون إستخراج الأحكام من أدلتها أثراً لها كما في مثال ملكة العدالة والسياقة، فلا وجه لتعريف الإجتهاد وبالملكة وتبديل مقولة بمقولة أخرى فإنّه يكون من التعريف بالمباني بعد القول بتباين المقولات وكونها أجناساً عالية.

ومن التعاريف، ما جاء في مقالات المحقق العراقي قدس سره (2: 201) بأنّه (تحصيل الوظيفة الفعلية العملية) فإنّه سلييم من بعض المناقشات فإنّ (تحصيل الوظيفة) يشمل ما إذا إشتمل الإجتهاد واستفراغ الموسع وعدمه، بعد أن تكون الأحكام والفروع الفقهية تختلف من حيث الوضوح والغموض، كما أنّ تبديل الحكم الشرعي بـ (الوظيفة) يعم جميع موارد الإستنباط سواء أدى إلى معرفة الحكم الواقعي عن خبر الثقة أوالظاهري من الأصول العملية وسواء الشرعي أو العقلي كالاحتياط والتخيير أوحجيّة الظن على القول بإنسداد باب العلم على الحكومة لا على القول بالكشف.

وفي منتهى الدراية (10: 224) بعد ذكر التعاريف المناقشات قال: ولعلّ الأولى تعريف الإجتهاد بأنّه (إحراز المؤمّن عقلاً أو شرعاً من أدلة الفقه) فإنّه يلتئم مع جميع المباني المتشتتة والمختلف فيها بين الأعلام في المسائل الأصولية، من إنكار حجيّة الظن رأساً، أوالقول بالظنون الخاصة، أو الظن الإنسدادي كشفاً أو حكومة وغير ذلك.

فالقيود فيه إحترازية ولا تدل على كون التعريف جامعاً مانعاً أو مطرداً منعكساً وبيانه يأتينا إن شاء الله تعالى.