أصول (30)

29 ربيع الأوّل

1441 هـ

عطفاً على ما سبق في تعريف الإجتهاد والمصطلح عند الفقهاء من العّامة والخاصة وعندهم التعريف التّام لابدّ أن يكون جامعاً للأفراد ومانعاً من الأغيار أي مطرداً ومنعكساً، فما قاله الحاجبي والعلامة في تعريف الإجتهاد بأنّه (إستفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي) لم يكن جامعاً ومانعاً لما ورد عليه من الاشكالات والنقوض بيان ذلك إجمالاً: إنّه يرد عليه التعريف: أوّلاً: بعدم الإنعكاس وجمع الأفراد، فإن إستنباط الحكم الشرعي من الأصل العملي كالبراءة والإستصحاب إجتهاد، إلّا أنّه لا يحصل منه ظن بالحكم الشرعي الواقعي، وإنّما غايته الحكم الظاهري، وحينئذٍ لا يشمل الحد جميع أفراد المحدود، فتأمل فيمكن أن يقال أنّ الحكم الظاهري لما كان بمنزلة الحكم الواقعي الذي يدلي عليه الظن المعتبر فإنّه يلحق دليله بالظن أيضاً ولو حكماً.

وثانياً: ان هذا التعريف يختص بما إذا ادّى الإجتهاد إلى الظن بالحكم الشرعي فلا يشمل الموارد الذي يؤدي إلى القطع بالحكم الشرعي كموارد الإستلزمات العقلية مع صدق الإجتهاد عليه قطعاً، فلا يكون التعريف حينئذٍ جامعاً للأفراد.

وثالثاً: قوله باستفراغ الوسع فإنّه ليس في جميع الفروع، لتفاوت مستنداتها ومداركها من حيث السهولة والصعوبة، فإنّ إستنباط بعض الفروع لا يتوقف على استفراغ الوسع مع أنه إجتهاد قطعاً، فتأمل فربما إطلاق ذلك من باب الأعم الأغلب.

وفي الفصول إيرادات أخرى على التعريف من حيث الإنعكاس وعدم جمع الأفراد، فإذا أردت التفصيل (الوقوف عليها فراجع).

وأمّا الإيراد والإشكال من جهة الإطراد وعدم منع الاغيار فأوّلاً: فإنّ استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالأحكام الأصولية كحجية خبر الثقة والإستصحاب وغيرهما يندرج في التعريف إلّا أنه ليس من الإجتهاد المصطلح والمعهود عرفاً، لأنّ المقصود تعريف الإجتهاد في خصوص علم الفقه، لا مطلق ما يؤخذ من الشارع المقدس.

وثانياً: لا يمنع الاغيار ولم يطرّد لأنه يندرج تحت التعريف استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الظنية المتعلقة بالموضوعات كتعيين الهلال لوجوب الصوم والإنكار، مع أنّه لا يعدّ ذلك من الإجتهاد المصطلح عرفاً.

وكذلك يرد على التعريف الثاني بعض الاشكالات من جهة الإنعكاس والإطراد كما هو مذكور في المفصلات.

والمصنف المحقق الخراساني قدس سره قد أراحنا من هذه الإشكالات والمناقشات التي كثير منها من النزاعات اللفظية التي لا طائل تحتها بأنّ التعريف كغيره من باب شرح الإسم.

فقال قدس سره: (ولا يخفى أنّ إختلاف عباراتهم في بيان معناه إصطلاحاً ليس من جهة الإختلاف في حقيقته وماهيته لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حدّه أو رسمه، بل إنّما كانوا في مقام شرح إسمه والإشارة إليه بلفظ آخر، وإن لم يكن مساوياً له بحسب مفهومه، كاللّغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظٍ آخر ولو كان أخص منه مفهوماً أو أعم.

ومن هنا انقدح أنّه لا وقع للإيراد على تعريفاته بعدم الإنعكاس أو الإطراد، كما هو الحال في تعريف جلّ الأشياء لولا الكل، ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها أو بخواصّها الموجبة لإمتيازها عمّا عداها ـ لغير علّام الغيوب، فأفهم.

وكيف ما كان فالأولى تبديل (الظن بالحكم) بالحجة على الحكم الشرعي، فإنّ المناط في الإجتهاد هو تحصيل الحجة قوة أو فعلاً لا الظن بالحكم الشرعي.

كما أنّ الأولى: زيادة الفرعي على (الشرعي) أي الحكم الشرعي الفرعي حتى نخرج بذلك الإجتهاد في أصول الفقه، كما أنّ الأولى تبديل (استفراغ الوسع) بكلمة (الإستنباط) وإن كان الإجتهاد دونه فرط القتاد إلّا أنه من الأحكام الشرعية الفرعية ما لا يتوقف على استفراغ الوسع وبذل الجهاد وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.