أصول (25)

21 ربيع الأول

1441 هـ

يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في تعريف الإجتهاد لغة ومصطلحاً، فإنّه بعد الوقوف على معناه اللغوي في الجملة يقع الكلام في بيان معناه مصطلحاً عند الفقهاء وما جاء في لسان الروايات وعبائر الأعلام من الفريقين السنة والشيعة فإنّه في عصر فقد النص كما عند أبناء العامة بعد رحلة الرسول الأكرم تعرضوا إلى إجتهاد الصحابة في النّص أو في مقابل النص وبعد عصر الأئمة الإثني عشر وغيبة الإمام الحجة عليه السلام في بداية الغيبة الكبرى والقول بالإجتهاد.

وقبل الدخول في تعريف الإجتهاد مصطلحاً: لا بأس من الإشارة إلى معلومة كما أشار إليها بعض الأعلام وهي: أن الموضوع للآثار الشرعية في الأدلة، كجواز الإفتاء في مقام الفتوى كالمجتهد أو نفوذ القضاء في مقام القضاء كالقاضي ليس هو عنوان (المجتهد) بل ما ورد في الأدلة وترتب الآثار هو عنوان (العالم) و(الفقيه) و(العارف بالأحكام) ونحو ذلك، فكان المناسب تبعاً للنصوص الواردة في المقام تعريف(الفقاهة والفقيه) حينئذٍ بإعتبار ترتب الأحكام عليها وعليه دون عنوان (الإجتهاد) و(المجتهد).

قيل: بما أنّ المقصود من الجميع واحد كما سيعلم بأنّ الإجتهاد أو الفقاهة هو إستخراج الأحكام الشرعية عن أدلتها التنصيلية أو إرجاع الفروع إلى الأصول أو غير ذلك من التعاريف المذكورة في المقام، فيكون الإجتهاد مرادفاً للفقاهة.

وإنّما عدل عنها لأحد أمرين:

الأول: أنّ معرفة الأحكام الشرعية الفرعية الفقهيّة متوقفة ـ كما سيأتي ـ أوّلاً وعلى وجود ملكة راسخة في النفس يتمكن بها على الإستنباط وردّ الفروع إلى الأصول.

وثانياً: متوقفة على إعمال وإستعمال هذه الملكة القدرة بالنظر في أدلة الفقه كحجية الخبر وظواهر الكتاب، ولا ريب أنّ كلمة (الإجتهاد) بمعناه اللغوي ومصطلحه الفقهي تدل على هذين الأمرين.

بيان ذلك: قيل أن أجمع رواية دلّت على اعتبار الإجتهاد في القاضي بأن يكون مجتهداً حتى يجوز له القضاء ويكون حكمه نافذاً هي مقبولة عمر بن حنظلة ـ وقد مرّ الكلام عنها سنداً ودلالة في مباحث التعادل والتراجيح ـ

وذلك في قوله× : (ينظر إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فيرضوا به حكماً).

فإعتبر الإمام عليه السلام في القاضي أموراً ثلاثة من خلال ثلاث مفردات وثلاث جمل:

الأوّل: أن يكون راوياً للحديث (لقوله من كان منكم قد روى حديثنا)، إلّا أنّه هذا لا يكفي في تلوذ قضائه وحكمه في ربع الخصومات وحلّ الدعاوي.

الثاني: النظر في حلالهم وحرامهم كما في قوله عليه السلام (ونظر في حلالنا وحرامنا) والمراد من النظر ليس الرؤية البصرية وإنّما النظر الإجتهادية.

الثالث: معرفة أحكامهم بقوله عليه السلام (وعرف أحكامنا) والمعرفة غير العلم، فإنّها أخص منه فالعلم بالكليات والمعرفة في الجزئيات كما أنّ العلم بالقياس إلى الفلسفة كذلك فإنّ العلم بالجزئيات والفلسفة بالكليات.

فهذه العناوين والأمور الثلاثة ليست مترادفة، بل الثاني أخص من الأوّل، كما أنّ الثالث أخص من الثاني كما هو واضح فإنّ القاضي لو إعتبر فيه رواية الحديث فإنذ مجرد الرواية لا تكفي في إمتيازه عن العامي فإنّ العاميّ يروي الرواية أيضاً وكثير من نقله الحديث لم يكونوا من الفقهاء بل ورد عنهم^ (رب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ^([1]).

فاعتبر في القاضي مضافاً إلى نقل ورواية الحديث النظر في الحلال والحرام والمقصود منه التأمل والتفكّر والتدبر في الحلال والحرام وهذا النظر والتفكر يتوقف على قوة وقدرة يتمكن من تأسيس الأصول وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.