أصول (24)

20 ربيع الأول

1441هـ

تنبيه: في آثار القول بالتخيير بين الخبرين المتعارضين

يقع الكلام في الآثار المترتبة على القول بالتخيير بين الحجتين، ولا يخفى أن ترتب الآثار في المقام لا يختص بمن قال بالتخيير المطلق كما عند المحقق الخراساني قدس سره أو بمن قال بالتخيير بعد تقييد أخباره بأخبار الترجيح من موافقة الكتاب ومخالفة العامة، فكيف ما كان فإنّ الاعلام ذكروا في المقام آثار للقول بالتخيير.

منها: في مقام الإفتاء من قبل الفقيه، فإنّ مقتضى حجيّة أعد الخبرين تخييراً هو جواز الإفتاء بما يختاره الفقيه منهما، لأنّ المفروض حجيّة أحدهما لا على التعيين بل تخييراً، فإذا اختار أحدهما وأفتى على ضوء كان حجّة عليه أوّلاً وعلى مقلّديه ثانياً وتكون بمنزلة الروايةالتي هي حجة عليه تعييناً، وذلك لعدم معارض لها بعد الإختيار أوّلاً، مع إجتماع شرائط حجيّتها ثانياً.

مثال ذلك: إذا إختار الرواية الدالةعلى وجوب جلسة الإستراحة بين السجدتين أو بعد السجدة الثانية وأفتى بوجوبها كان حجةً عليه وعلى مقلّديه، وليس له بعد ذلك أن يختار الرواية الأخرى الدالة على عدم وجوبها، إلّا بدليل آخر كالمرجحيّة على القول بها.

ومنها: لا دليل ولا وجه للفقيه أن يفتي بالتخيير في المسألة الفرعيّة الفقهيّة.

مثاله: كالتخيير بين حرمة شرب التتن وإباحته، فيما إذا دلّ أحد الخبرين على حرمته والآخر على إباحته.

والوجه في ذلك: لأنّ الغالب في كل واقعة ومسألة وحده حكمها الواقعي تعييناً ومن النادر الذي يلحق بالمعدوم أن يكون حكمها تخييراً، كالتخيير بين القصر والإتمام في مواطن التخيير كالصلاة في الحرمين الشريفين على القول به.

وحينئذٍ مع يقين الحكم الواقعي يكون الإفتاء بالتخيير على خلافه، ويكون من الإفتراء على الشارع المقدس، فلا مسوّغ للحكم في التخيير في المسألة الفرعية.

ومنها: وإنّما يقع التخيير في المسألة الأصولية فيجوز للمجتهد الفقيه أن يفتى بالتخيير في المسألة الأصولية وهي حجية أحد الخبرين تخييراً، لأنّ مورد التخيير هو حجية الخبرين والكلام عن الحجية وعدمها من المسائل التي يبحث عنها في علم الأصول وليس في الفقه، وإنّما مورد التخيير هو حجيّة الخبرين في نفسهما لأنّ السؤال ناظر إلى ذلك، فإنّ التخيير إن كان في الحجيّة ونشأ عن تعارضهما، فإنّه لولا التعارض لكان كلاهما حجّة، فجواب الإمام عليه السلام بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك، فإنّه يراد به الأخذ بأيّهما حجّة وتسليماً لأمر الشارع المقدس ومن المعلوم أنّ التخيير في الحجيّة إنّما هو في المسألة الأصولية وحينئذٍ يجوز للمقلد بعد أن قلد مجتهده في هذه المسألة الأصولية أن يختار غير ما اختاره المجتهد من الخبرين المتعارضين، فإذا إختار المجتهد الخبر الدال على حرمة شرب التتن جاز للمقلد أن يختار الخبر الدال على إباحته، فلا دليل يدل على متابعة المقلد مقلّده في ما جاز له التخيير وعدم الدليل دليل العدم، ثم لا فرق في الحكم الذي دل عليه الخبران المتعارضان بين أن يكون من الأحكام التي يبتلى بها المجتهد كأحكام الصلاة أو غيرها كالأحكام المختصة بالنساء، ويكون المقلد حينئذٍ في فهم الخطابات الشرعية والقول بالتخيير وبأيهما أخذت وسعك ذلك كسائر أبناء المحاورة في فهم المعاني من الألفاظ ويكون حكمه حكم المجتهد نفسه في فهم معاني الأخبار في ظهورها أو صراحتها التي لا شبهة فيهما، وإلّا فيرجع فيها إلى مقلّده الفقيه الجامع للشرائط، هذا تمام ما أردنا بيانه في التعادل والتراجيح وبهذا ينتهي ما سلكناه من بيان الأصول في ضوء الكفاية فشيخنا المحقق الخراساني قدس سره وجزاه الله عن الإسلام والإيمان وأحلية خبر الجزاء وكان بداية البحث  المقدمة والمقاصد دون الخاتمة سنة 1417 ونهايته عام 1441 / 20 ربيع الأول والحمد لله أوّلاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله اللهم عجل لوليك الفرج والنصر والعافية.