أصول (20)

14 ربيع الأوّل

1441 هـ

عطفاً على ما سبق: في الأخبار العلاجية في باب التعادل والتراجيح، فإنّ المقصود منها هو حلّ ما فيه التعارض بين الخبرين إلّا أنّ المشكلة أنه في نفس الأخبار الدالة على حلّ المشكلة فيها مشكلة التعارض، وهذا ما تعرض إليه الأعلام من قبل، بأنّ الأخبار العلاجية على أربع طوائف: منها ما دلّت على التخيير مطلقاً أو بعد عدم المرجحات، ومنها ما دلت على التوقف، ومنها على الإحتياط، ومنها على المراجحات بأنها تكون مقيدة لأخبار التخيير كما مرّ تفصيل ذلك وبعد التي واللتيا، فقد إستدل على تقييد أخبار التخيير بعدما قيل: ليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها غير أخبار الترجيح أنه هناك من إستدل بوجوه أخرى في وجوب الترجيح في التفاضلين.

الأوّل: دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين، كما أشار إليه الشيخ قدس سره بقوله: (ويدل على المشهور ـ أي وجوب الترجيح ـ مضافاً إلى الإجماع المحقق إلى آخره، كما تعرض له المحقق الخراساني قدس سره بقوله: (بل ربما ادعى الإجماع أيضاً على حجيّة خصوص الراجح) أي أقوى الدليلين، فإنّ فاقد المزيّة يكون مرجوحاً، وواجدها راجحاً.

وأقوى من فاقدها فهو مورد الإجماع كما هو واضح، فدعوى الإجماع في المقام مجازفة.

وأنّه أورد عليه: بإنكار الإجماع وعدم تحقّقه، وذلك لأنّ ثقة الإسلام الشيخ الكليني قدس سره مع كونه في زمن الغيبة الكبرى وأنه كان معاصراً ومخالطاً مع نواب صاحب الأمر عليه السلام، حتى إشتهر أنّ الحجة قال: الكافي كافٍ لشيعتنا، ذهب إلى التخيير ولم يقل بالترجيح، ومخالفة هذا العلم العيلم تقدح في دعوى الإجماع حينئذٍ، كما خالف في ذلك السيد الصدر من أصحابنا والجبائين من العامة.

فالكليني قدس سره في ديباجة الكافي قال: ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير، بناءً على أنّ الأخذ بأحدهما المعين من الضيق على المكلف فإنّ التخيير أوسع له، كما أنّه الأحوط، والوجه في ذلك كما قاله قدس سره: لعدم العلم بالمرّجحات في جميع الموارد في زمان صدور الروايات، لعدم العلم في الغالب بقتاوى العامة حتى يحصل العلم في ذلك الزمان بموافقة الروايات أو مخالفتها لفتاواهم، أضف إلى ذلك أن الحاصل لهم لم يكن إلّا الظن بالموافقة أو المخالفة، ومن الواضح أنّ الظن بالمرجحية لا يكفي، لأنّ الأصل عند الشك عدم حجيته، فالإحتياط الحسن يقتضي العمل بإطلاقات أخبار التخيير.

ولا بأس من ذكر عبارة الكافي وهذا ما لفظه: (فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا إختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلّا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: (أعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه) وقوله عليه السلام: (دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم) وقوله عليه السلام: (خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقله، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع في الأمر فيه بقوله عليه السلام: (بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم) ^([1]).

فاستظهر من عبارته: أنّ التخيير أحوط وأوسع كما مرّ.

ولبعض الأعلام معنى آخر في كلام الكليني قدس سره وهو: أنّ غرضه قدس سره أنّه لا أحوط من ردّ علم ذلك إلى العالم أوّلاً، ولا أوسع من التخيير ثانياً، وهذا من باب الكف والنشر المرتب، لا أن التخيير أحوط وأوسع) ^([2]).