أصول (14)

5 ربيع الأوّل

1441 هـ

يقع الكلام في تنبيهات الأخبار العلاجية فمنها: هل يجب الإقتصار على المرجحات المنصوصة، أو يجوز التعدي إلى غيرها ممّا يكون أحد المتعارضين معه أقرب إلى الواقع، كالمرجحات العقلية والعرفية كتناسب الحكم مع الموضوع وغيرها.

إختلف الأعلام في ذلك، فذهب الشيخ الأعظم قدس سره في فرائد (رسائله) (2: 780 ـ 781) إلى التعدّي وعدم الإقتصار على ما في النصوص خاصة، وإستدل على ذلك بوجوه:

منها: أنّ ما ورد في المقبولة من جعل الإمام عليه السلام مثل الأصدقية والأوثيقية في صفات الراوي أو الحاكم لإحدى الروايتين ممّا يدل على أنّ الملاك والمناط في الترجيح بهما كونهما موجبة لأقربية إحدى الروايتين للواقع، فيتعدى حينئذٍ إلى كل ما فيه هذا الملاك من باب تنقيح المناط.

وأورد عليه: أوّلاً: كما مرّ ان جعل الأوصاف إنما كانت للحاكم وليس للرّاوي، فلا تدل المقبولة على كون الأوصاف من مرجحات الخبرين المتعارضين.

وثانياً: إنّما تدل المقبولة بذكر الأوصاف وكونها من المرجحات لما يوجب أقريبة أحد المتعارضين إلى الصدق وليس بلحاظ الواقع، فتأمل.

ومنها: ما ورد في النصوص عن تعيين الإمام عليه السلام بأخذ الرواية المجمع عليها بكونها ممّا لا ريب فيه، وإنّ الأمور على ثلاثة أقسام: بين رشده، وبين غيّه، ومشتبه فيه، فخذ ما كان بين الرشد وهو المجمع عليه أي خذ ما إشتهر بين أصحابك ومن الظاهر أنّ عدم الريب فيها ليس إضافياً أي بالإضافة إلى الغير وهو الشاذ بمعنى أن المشهور بالنسبة إلى الشاذ النادر لا رب فيه، وأنّه ليس بإعتبار أنه في نفسه لا ريب فيه، وهذا من عدم الريب الذاتي والذي يقابله عدم الريب العرضي فلو كان بإعتبار العرضي ومن الإضافي أي لا ريب فيه بالإضافة إلى الخبر الشاذ النادر لكان الخبر الشاذ ممّا لا ريب في كذبه، فيكون داخلاً في بين الغي، وهذا خلاف ظاهر الإستشهاد، فإنّ الإمام عليه السلام إستشهد بقول النبي صلى الله عليه وآله وأدرج الشاذ في المشتبه.

وعليه فإنّ المقبولة بعموم التعليل دلّت على أنّ كلّ خبرين ليس في أحدهما ريب بالنسبة إلى الآخر يلزم الأخذ به ومثال ذلك ما لو كان أحد الخبرين منقول باللفظ والأخرى بالمعنى فإنّ الأول مما لا ريب فيه في نفسه فيقدم.

وأورد عليه: أوّلاً: بضعف سند المقبولة وهو كما ترى فإنّه فيها الاعلام في الجملة ومنهم من صحيحها.

وثانياً: إنّه (ممّا لا ريب فيه) ليس بنحو الإضافة، فإنّه يوجب تقديم إحدى الروايتين على الأخرى إذا كانت الوسائط فيها أقل من وسائط الأخرى ولو بواحد، والظاهر لم يقل به أحد، فلابدّ من أن يكون المراد من قوله عليه السلام (ممّا لا ريب فيه) أي ما لا يكون فيه ريب حقيقة، وهذا لازمه ومعناه أن يكون مقطوع الصدور وهذا لا ينافيه فرض الريب في الخبر الشاذ المعارض له وعدم إدخاله في بِين الغي، لإحتمال أن يكون الشاذ هو الصادق والمجمع عليه صور للتقية.

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.