فقه (18)

5 ربيع الأوّل

1441 هـ

عطفاً على ما سبق: في مسألة الجهر والإخفات في الصلوات والكلام في المقام الثاني: وهو بيان موارد الجهر والإخفات ففي أي الصلوات وفي أي مورد من الصلاة، فقد إختلف لسان الروايات في ذلك.

وأمّا من جهة المورد من الصلاة فقد ورد في الروايات في هذا الباب التصريح بأنّ الجهر والإخفات إنّما هما في القراءة أي قراءة الحمد والسورة في الركعتين الأوليتين.

ويدل عليه صحيحة زرارة الثانية ـ كما مر ـ وصحيحة علي بن جعفر المتقدمة، ورواية محمد بن عمران ويحيى بن أكثم وإن كانتا ضعيفة السند فقد عمل بها الأصحاب ممّا يوجب الإنجبار كما هو المختار، وبعض الروايات في باب الجمعة والجماعة كما في صحيحة الحلبي: إذا صليت خلف إمام تأثم به فلا تقرء خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة^([1]). وغيرها.

وأمّا باقي الأذكار غير القراءة كذكر الركوع والسجود والتشهد والتسليم، فإنّه يجوز الجهر والإخفات لعدم الدليل على وجوب الجهر أو الإخفات فيها، وعدم الدليل دليل العدم، كما أنّ الأصل عند عدم الدليل هوالجواز، وتمسكاً بجملة من الروايات وفيها التصريح بالتخيير بين الجهر والإخفات، ومنها: صحيحة علي بن جعفر وصحيحة علي بن يقطين كما المتقدمتين ففي صحيحة علي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر.

وفي الثانية: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت فقال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر.

والظاهر من ذكر القول في الركوع والسجود والتشهد إنّما هو من باب المثال وليس التخصيص، ومن ثم يعمّ الحكم التسليم وغيره أيضاً لوعده الملاك.

وأمّا من جهة تعيين الصلاة، فإنّه لم يرد التصريح في الأخبار بذلك إّلا أنه تدل عليه سيرة المتشرعة القطعية المتصلة إلى زمن الائمة المعصومين عليهم السلام فإنّها جرت على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والمغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين.

وبذلك يظهر ويتعين الموضوع في الروايات في قول السائل (جهر فيما لا ينبغي الجهي فيه) أو (أخفت فيما لا ينبغي الإخفات فيه) ويعلم من مثل هذا التعبير أنّ الصلاة كانت على صنفين: يجهر في بعض ويُخفت في بعض آخر، كما هو عليه اليوم في ضوء مذهب أهل البيت عليهم السلام.

المقام الثالث: في صلاة الجمعة وظهرها:

فقد إختلف الأعلام في جهرها وإخفائها في يوم الجمعة، أمّا صلاة الجمعة فذهب المشهور ومنهم المصنف إلى إستحباب الجهر فيها كما ادعى غير واحد من الأعلام قيام الإجماع عليه كما في القواعد، وعن التذكرة، ونهاية الأحكام والذكرى والبيان وجامع المقاصد وغيرها، وعن المحقق الحلّي في المعتبر (لا يختلف فيه أهل العلم) وعن التنقيح: (أجمع العلماء عليه) فيدل عليه الإجماع بقسميه المنقول والمحصّل.

كما يدل عليه جملة من النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث في الجمعة، قال: والقراءة فيها بالجهر) ^([2]).

وصحيحة عمر بن يزيد قال: ليعقد قعدة بين الخطبتين ويجهر بالقراءة^([3]).

وصحيحة العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقدسيتك بركعة، فأضف إليها ركعة أخرى أجهر فيها) ^([4]). وغيرها.

وجه الإستدلال: إنّ الظاهر من أخبار الباب أنها تدل على الوجوب، إلّا أنّ الأصحاب حملوها على الإستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلمات الأصحاب كما مرّ.

ولكن صاحب الجواهر قد ناقش القول بقيام الإجماع الدال على الإستحباب بأنّه لم يوجد في عبائر الأعلام التصريح بالندب والإستحباب قبل المحقق الحلّي قدس سره، فإنّه هو الذي بدء بقول الإستحباب، فلا يبعد أن يكون مراد القدماء مطلق الرجحان وهو يجتمع مع القول بالوجوب، ويكون القول بالوجوب بالجهر في صلاة الجمعة في قبال القول بوجوب الإخفات في الظهر في غير الجمعة.

قال صاحب الجواهر قدس سره: (لكن ظني أنّ المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف قدس سره على وجه يكون به إجماعاً، نعم حكي عن مصباح الشيخ، وإشارة السبق، والسرائر والاصباح بل عن المنتهى: أنّه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه، بل في كشف اللثام: أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيهما على وجه يحتمل الوجوب) ^([5]).

فذهب السيد الحكيم قدس سره قائلاً: وحينئذٍ يشكل رفع اليد عن ظاهر النصوص ـ الدالة على الوجوب ـ وكون الأمر به ـ بالجهر ـ في مقام توّهم الحضر ـ والمنع كما في الأصول ـ فلا يدّل على الوجوب ـ لو تمّ ـ فإنّه لا يطرد في الجميع، فتأمل جيداً^([6]).

وذهب السيد الخوئي قدس سره قائلاً: وما أفاده ـ صاحب الجواهر قدس سره ـ متين جداً، فلا موجب لرفع السيد عن ظهور هذه الأخبار في الوجوب، لعدم إحراز قيام الإجماع على الخلاف، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه الأحوط.

كما أنّ الإجماع من الدليل اللّبي فيؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو في المقام مطلق الرجحانة الذي يجتمع مع الوجوب، كما يقدم الظهور عليه، كما معروف عند طلبة العلم (نحن أبناء الظهور أينما دار ندور) فالأحوط وجوباً الجهر في صلاة الجمعة كما هو المختار وأمّا آراء الاعلام والعلمين على العروة فكما يلي: