أصول (83)

6 رجب

1440 هـ

عطفاً على ما سبق: في بيان الأخبار الواردة في الخبر المتعارضين فكانت على طوائف أربعة، واأولى منها ما دلّت على التخيير ويذكر في المقام ثمان روايات، وقد إختلف الأعلام في إسنادها ودلالاتها.

والشيخ الأعظم في فرائد أصوله (الرسائل) يدعي استفاضة أخبار التخيير بل تواترها (فرائد الأصول: 4: 39).

وفي الضوابط يدعي ضعف جميعها سنداً إلّا واحداً منها، فدعوى الإستفاضة كما هي إلّا أن دعوى تواترها من المبالغة إلّا إذا قبل بالتواتر اإجمالي، بأن واحد من هذه الرواية صدرت قطعاً عن المعصوم عليه السلام كما أن ضعف الأخبار إلّا واحداً منها أيضاً من المبالغة، فإنّه يقال بإعتبار أكثر من واحد منها.

وقد ذكرنا ثلاث روايات من الثمانية، فالأولى كانت خبر الحسن بن الجهم المروي عن الإحتجاج عن الإمام الرضا عليه السلام وهي ضعيفة بالإرسال.

ولكن إنّما يكون الخبر مرسلاً على مبنى من إختار الوثوق الشخصي في الصدور أي كون الراوي ثقة دون الوثوق الخبري في الصدور بأن يكون الخبر موثوقاً به.

وقد ذكرالشيخ الطبرسي قدسسرهفي مقدمة الإحتجاج بأنّ ماينقله من الروايات مسندة في الأصل وهي مشهورة أو مجمع عليها،وإنّما لم يترك السند إختصاراً (الإحتجاج: 1: 4 عنه: منتهى الدراية: 9: 512) فإنّه بالنسبة على المبنى الأوّل لا يفي بالمطلوب بعد إختلاف المباني في العدالة وغيرها فما يبتنى عليه حجيّة خبر الواحد، فمنهم من يرى العدالة مجرد ترك الكبائر وحسن الظاهر ومنهم من يرى العدلى ملكه راسخة في النفس بترك الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر وإن لا يأتي بما ينافي المروة، فمنهم من يرى عدم الواسطة بأن لا يكون عادلاً لعدم الملكة ولا فاسقاً لعدم العمل بالكبائر كمن بلغ، فالإرسال في الخبر وعدمه يبتنى على إختلاف المباني.

وأمّا الدلالة فالخبر كان كما يلي: صدر الحديث كما في الوسائل: قال: قلت له ـ أي للرضا عليه السلام ـ تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، فقال: ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فومنّا، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا.

قلت: يجئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيّهما الحق؟ قال: فإذا يعلم (تعلم) فموسّع عليك بأيهما أخذت، فظاهر الخبر هو التخيير بين الخبر عن اللذين ثمّ المقتضي للحجيّة في كل منهما لكون راويهما ثقتين، وبعد عرضهما على الكتاب والسنة ولم يكن أحدهما، اشبه من الآخر بهما بل تكافئا في ذلك وحينئذٍ كان السؤال عن علاج المانع وهو التعارض، فدل على المطلوب من القول بالتخيير بين المتعارضين كما عند المصنف قدس سره إلّا أنّه أورد المحقق الاصفهاني قدس سره عليه بأنّ الخبر لا يدل على مدّعاه مطلقاً سواء أكانا متكافئين أو متفاضلين، بل يدلّ على التخيير بعد فقد المرجح، وذلك لأنّ صدر الخبر كما مرّ مقيد أولاً بالعرض على الكتاب والسنة ويأخذ الأشبه بهما، وقد روى رواية هذه الخبر أيضاً من الإمام الكاظم عليه السلام وعرض الخبرين المختلفين على الكتب والسنة ^([1])، كما روى عنه الأخذ بما خالف العامة ^([2]).

فليس التخيير على الإطلاق كما هو المدّعى، بل بعد الترجيح حتى في الجملة، فقوله السائل: (ولا نعلم أيهما الحق) إمّا من جهة كونهما معاً موافقان للكتاب والسنة أو عدم موافقتهما معاً للكتاب والسّنة، إلّا أن يقال كما عند المصنف أنّ العرض على الكتاب ليس من المرجحات بل لتميز الحجة عن اللاحجة فيكون التخيير حينئذٍ مطلقاً وغير مقيدان يكون بعد أعمال المرجحات، فتأمل.

وربما يقال أن صدر الخبر لإطلاقه يحمل على كون الجائي بالخبر ليس بثقة فيخرج الخبر حينئذٍ عن مورد الترجيح فإنّه سالبة بإنتفاء الموضوع بخلاف ذيل الخبر فإنّه مقيد بكون الجائي بالخبرين ثقة، وفي هذا المورد لم يعمل الترجيح بل قال بسعة التخيير، ولكن هذا القول بعيد لأنّه لو لم يكن الإختلاف بينهما فإنّه لا يؤخذ بهذا الخبر في ذيله الدال على التخيير لصحة العمل بها بعد كونهما أو بهما من الثقات، ولكن ظاهر الخبر أن الإختلاف هو الذي أوجب تحيّر السائل في الأخذ به، وبهذا يعلم وجود المقتضي للعمل بالخبر لا عدم الأخذ به كما مع عدم الإختلاف، فتأمل فقد إختلف الاعلام في استظهار الخبر في دلالته على التخيير مطلقاً حتى مع التفاضل ووجود الأرجح بينهما، إلّا أنّ المصنف ذهب إلى الإستدلال بالخبر على التخيير مطلقاً.

وأمّا الحديث عن الخبر الثاني خبر الحارث بن المغيرة فيأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.