أصول (80)

2 رجب

1440هـ

عطفاً على ما سبق: في علاج الأدلة المتعارضة بعد القول بعدم سقوطهما ولزوم الأخذ بأحدهما عقلاً ونقلاً، وإستدل عليه بوجوه:

الأول: دعوى الإجماع كما عن شيخنا الأعظم قدس سره كما مرّت الإشارة إليها وذلك في خصوص الراجح من الدليلين، ويصدق عليه الأخذ بأحدهما.

والثاني: كونهما دليليان متعارضان لا يمكن العمل بهما معاً للتعارض والتنافي، ولا بأحدهما بالخصوص دون الآخر ولا إسقاطهما، فوجب التخيير والأخذ بأحدهما.

والثالث: كونها يستلزمان إجتماع الضدين كالوجوب والحرمة أو النقيضين كالوجوب وعدمه، فلابدّ من الأخذ بأحدهما.

والرابع: لكون الأخذ بأحدهما على العيين ترجيح بلا مرجح.

والخامس: لولا الأخذ بأحدهما للزم إسقاط ما ثبت اعتباره في الجملة.

والسادس: لعدم إمكان الأخذ بغير الأخذ بأحدهما.

والسابع: تمسكاً بالأخبار الواردة في المقام، وعند المصنف هذا من أحسن الوجوه لكون الوجوه الأخرى قابلة للنقاش والاشكال، ثم الروايات على طوائف أربعة: فمنها دلت على التخيير، ومنها على التوقف ومنها على الحائط منهما، ومنها الأخذ بالمرجحات والمزايا، وهذا ما يأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.

ونقول مقدمة: إنّ الدليلين المتعارضين لا يخلوان أمّا أن يكون كلاهما قطعي الصدور، أو كلاهما ظني الصدور، أو يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنيّاً، فالمسألة ذات صورة ثلاث:

الأولى: فيما لو كان كلا الدليلين قطعي الصدور كما إذا وقع التعارض بين ظاهر آيتين، أو بين ظاهر خبرين متواترين أو بين ظاهر آية وظاهر خبر متواتر أو محفوف بالقرينة القطعية، فلا يرفع اليد عن الظهورين، ويفرض وجود الدليلين كونهما فالتعارض هذا مما يوجب تساقطهما والرجوع إلى دليل آخر كالعموم الفوقاني أو إلى الأصل العملي.

والوجه في ذلك: أنّ دليل حجيّة الخبر لا يشمل المتعارضين لتكذيب أحدهما الآخر، مما يوجب سقوط الحجيّة عنهما.

وذهب الشيخ الأعظم قدس سره في فرائد أصوله (2: 754 ـ 755 عنه مصباح الأصول: 3: 483) إلى أنه يجب تأويلهما وعدم الأخذ بظاهرهما بل يؤخذ بالمعنى المؤول إليه.

وأورد عليه: إنّ هذا من الغريب، فإنّه أولاً: لا دليل على وجوب التأويل والعمل على المعنى المسؤول إليه، وعدم الدليل دليل العدم .

وثانياً: يحتمل أن يكون المراد من الظاهرين المتعارضين تأويل آخر غير ما أوّلناهما إليه، ومع الإحتمال بطل الإستدلال، فتأمل.

والصورة الثانية: فيما إذا كان أحدهما قطعي الصدور والآخر ظنّه الصدور، كما إذا وقع التعارض بين ظاهر الآية وظاهر الخبر الواحد المظنون صدوره، أو وقع التعارض بين خبر متواتر والخبر الواحد المظنون صدوره، فإنّه يؤخذ بظاهر الآية أو ظاهر الخبر المتواتر ويطرح ظاهر خبر الواحد لما دل على ذلك الأخبار الكثيرة بأنه يطرح الخبر المخالف لكتاب أو السّنة.

ولا يخفى أنّ الأخذ بظاهر الآية في المقام ليس من باب الترجيح، بل من جهة عدم حجيّة الخبر الذي لا يمكن الجمع بينه وظاهر الكتاب أو السّنة معه، وإنّما لا يكون حجة بمقتضى ما ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام، (أنه زخرف وباطل) (لم نقله) (اضربوه على الجدار) ^([1]).

إلى غير ذلك من العبارات والألفاظ الدالة على عدم حجيّة الخبر المذكور سواء جاء به عادل أو فاسق.

وأمّا الصورة الثالثة: فيما لو كان كلاهما ظني الصدور فهذا ما يأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.