أصول (66)

7 جادى الثانية

1440هـ

عطفاً على ما سبق في بيان ما خرج عن التعارض لمكان الجمع الدلالي العرفي وكون أحد المتعارضين قرينة عرفية على الآخر بنحو الورود أو الحكومة أو التخصص أو التخصيص أو غيرها ومن أنحاء القرينية العرفية، فإنّه في كل مورد يكون أحدهما قرينة على الآخر بحسب المتفاهم العرفي فهو خارج عن التعارض وقيل لا ضابطة لذلك بل يختلف بإختلاف المقامات والخصوصيات المحتفة بالكلام مطلقاً سواء من القرائن المقالية أو الحالية، وقد ذكر بعض الأعلام من ذلك أموراً، وقد مرّ الأمر الأول فيما يتعارض ظهور الإطلاق مع ظهور العام فإنّ العام فإنّ العام بيان للإطلاق يتحمل الإطلاق على العام، فلا تعارض بينها.

وأمّا الأمر الثاني: فيما لوو كان التعارض بين إطلاقين أحدهما شمولياً والآخر بدلياً، فإنّه يقدّم الإطلاق الشمولي ويقيد به الإطلاق البدلي، وهذا ما اختاره المحقق النائيني قدس سره،وذكر لذلك وجوهاً:

الأوّل: أنّ الحكم المتعلق بالطبيعة كقولنا اكرم عالماً تارة يتعلق بالطبيعة السارية بحيث ينحل الحكم إلى الأحكام المتعددة على حسب تعدد الأفراد، وأخرى يتعلق الحكم بصرف الوجود، يكون الحكم واحداً متعلقاً بالطبيعة المتحققة ولو بفرد واحد على البدل.

والأوّل من الإطلاق الشمولي وأنّ الحكم يتعدد بتعدّد الأفراد لثبوت الحكم لجميع الأفراد فيسري فيها والثاني من الإطلاق البدلي، فإنّ الحكم فيه واحد متعلق بالطبيعة وبصرف الوجود، ويصحّ للمكلف في مقام الإمتثال تطبيق الطبيعة في ضمن أي فرد شاء، وحينئذٍ عند تعارضهما لو قدّم الإطلاق البدلي فإنّه يوجب رفع اليد عن الحكم في الإطلاق الشمولي بالنسبة إلى بعض الأفراد، بخلاف تقديم الإطلاق الشمولي، فإنّه لا يوجب رفع اليد عن الحكم في الإطلاق البدلي، لأنّه لا تعدّد فيه، بل يوجب تضييق دائرته.

بيان ذلك بالمثال: لو قال المولى: أكرم عالماً ولا تكرم فاسقاً، فإنه يكون الحكم في الإطلاق البدلي واحداً، وهو وجوب إكرام فرد من العالم، ولكن في الإطلاق الشمولي يكون متعوداً وهو حرمة إكرام كل فرد من أفراد الفاسق بعد فرض تمامية مقدمات الحكمة.

وفي مادة الإجتماع أي (العالم الفاسق) لو قدّمنا الإطلاق البدلي أي وجوب الاكرام للزم رفع اليد عن الحكم في الإطلاق الشمولي بالنسبة إلى هذا الفرد وهو العالم الفاسق، وهذا بخلاف ما لو قدّمنا الإطلاق الشمولي من حرمة اكرام الفاسق فلا يكرم العالم الفاسق، فإنّه لا يوجب رفع اليد عن الحكم المذكور في الإطلاق البدلي بالنسبة إلى بعض الأفراد كالعالم العادل، فإنّه ليس في حكم الإطلاق البدلي إلّا حكم واحد وهو وجوب اكرام العالم غاية الأمر أنه مع تقديم الإطلاق الشمولي يوجب تضييق دائرة الإطلاق البدلي حيث كان وجوب الإكرام يعم العادل والفاسق ولكن مع التقييد يوجب اكرام العالم العادل دون الفاسق، فيجب على المكلف في مقام الإمتثال تطبيق الطبيعة بالعالم غير الفاسق أي العادل.

وأورد عليه: أولاً: ما ذكره مجرد إستحسان ظنّي والمفروض والميزان في التقديم كون أحد الدليلين قرينة على التّصرف في الآخر بحسب الفهم الغربي كما كان في الدليل الحاكم بالنسبة إلى الدليل المحكوم كما مرّ، والحال ليس المقام كذلك، فإنّ الإطلاقين في مرتبة واحدة من الظهور التوقف كليهما على جريان مقدمات الحكمة، ومجرد كون تقديم أحدهما يوجب رفع اليد عن الحكم دون الآخر لا يوجب كون الآخر قرينة على التصرف فيه، فتأمل.

سأل رجل الإمام الكاظم عليه السلام عن اليقين: فقال عليه السلام: يتوكل على الله ويسلّم لله ويرضى بقضاء الله ويفوض إلى الله (تحف العقول).

وثانياً: أنّ الإطلاق البدلي لا ينفك عن الإطلاق الشمولي أبداً، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.