أصول (48)

30 ربيع الثاني

1440 هـ

أولاً، وعدم تقدم بعضها رتبة على البعض اآخر ثانياً، فإنّه لوكان ذلك لتعين تخصيص العام به، فتنقلب نسبة هذا البعض الخاص مع سائر المخصصات على كثرتها من الأخصية إلى الأعم من وجه.

إشكال وجواب:

ثم المصنف في مقام الاشكال على تقديم دليل الإستصحاب على دليل القرعة من باب العام والخاص قال: (لا يقال كيف يجوز أقول: في بيان الاشكال أولاً ثم في جوابه:

أمّا الاشكال: فإنّه على ما يظهر من بعض الروايات كون القرعة من الأمارات، كما في قوله عليه السلام في خبر محمد بن حكيم: (كلما حكم الله به فليس بمخطئ) ^([1]).

وقوله عليه السلام فيما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام: (ليس من قوم تقارعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله إلّا خرج سهم المحقّ) ^([2]).

فالظاهر منهما اصابة الواقع بالقرعة في الجملة، ومن الواضح أن ما جعله الشارع المقدس في مقام التعبّد حجة إنها هو بلحاظ كشفه للواقع كما في خبر الثقة فيكون من الأمارة الكاشفة ولو في الجملة بخلاف القطع الكاشف بالجملة بالتفصيل.

ثم قد ثبت في محلّه ان الأمارة الشرعية رافعة للشك الذي هو موضوع الأصول العملية والتي منهما الإستصحاب، ومن ثم تقدم الأمارات على الأصول على إختلاف المباني من الورود أو  الحكومة أو التخصيص أو التخصيص.

وعليه فلا وجه بتقديم دليل الإستصحاب على دليل القرعة تخصصاً أو تخصيصاً أو ورداً أو فكونه على إختلاف المباني، فليس في الإستصحاب كاشفية ولو في الجملة حتى يقدم على القرعة بما فيها من الكاشفية الإجمالية وبعبارة أخرى لا مجال للإستصحاب فإنّه من السالبة بانتفاء الموضوع، فإنّ الأمارة الكاشفة ترفع الشك وتوجب كون نقض اليقين باليقين وبالحجة وهي القرعة وهي على خلاف اليقين السابق.

فأجاب المصنف قدس سره عن الاشكال: بأنه قياس القرعة بسائر الأمارات بتقديمها على الإستصحاب وروداً أو حكومة قياس مع الفارق، وهو فاسد.

بيان ذلك: أن موضوع الأمارات هو الجهل بالواقع كما موضوع الإستصحاب هو الشك به، فموضوع سائر الأمارات هو (ما كان مجهول الحكم بالعنوان الأولى في الجملة أي الحكم الواقعي لا مطلقاً، كحرمة شرب الخمر وحلية الخل فانهما من العناوين الأوليّة، فإذا شككنا في حرمة شرب التتن ولم نعلم حكمه الأولى فلما لم يكن لها حالة سابقة فنجري أصالة العدم، ونستصحب ذلك، فنقول بجواز إستصحاباً، ولكن إذا قام خبر الثقة على حرمته، فإنّه يكون حينئذٍ رافعاً للشك الذي هو موضوع الإستصحاب ووارداً أو حاكماً عليه.

والحال موضوع القرعة إنما هو (مجهول الحكم مطلقاً وبالجملة وتفصيلاً وبكل عنوان ولو بعنوان نقض اليقين بالشك والمجهول المطلق لا يعلم حلمه حدوثاً وبقاءً، فلو علم الحكم بالإستصحاب لزمه ارتفاع عنوان (المشكل) الذي ورد في حجيّة القرعة والذي هو موضوع القرعة، لكون الإستصحاب يرفع لنا موضوع القرعة حينئذٍ ومن ثمَّ يقدم الإستصحاب عليها، فالإستصحاب بيان لحكم المجهول بعنوان ثانوي وهو نقض اليقين بالشك، فيرفع حينئذٍ موضوع دليل القرعة بهذا العنوان الثانوي، فالمشكوك الذي يجري فيه الإستصحاب لا يدخل تحت عموم دليل القرعة لعدم كونه مجهول الحكم بقول مطلق، فعليه إختلاف الموضوع يوجب إختلاف الحكم والمحمول، وفي المقام إختلاف الموضوع في القرعة وسائر الأمارات أوجب الفرق بينهما في تقديم الإستصحاب عليها وتقديم الأمارات على الإستصحاب، فمقتضى الإستصحاب كونه بياناً للحكم بعنوان ثانوي ورافعاً للحمل المطلق الذي كان موضوع القرعة دون سائر الأمارات فإن موضوعها الجهل القيد بالحكم الواقعي لا مطلقاً، فتأمل والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.