فقه (42)

16 ربيع الثاني

1440 هـ

عطفاً على ما سبق: فيمن عجز عن القيام في صلاته فإنّه يصلّي جالساً وإن لم يتمكن لمرض ونحوه صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كهيئة المدفون، وهذا ما ذهب إليه المشهور كما في البحار، وفي كشف اللثام (عليه المعظم) من الأصحاب، وفي المعتبر والمنتهى عليه الإجماع، والعمدة في المقام ما ورد من الروايات، فمنها ما هي مطلقة بأنّه أن تعذر من الصلاة جالساً ينتقل إلى الصلاة مضطجعاً مطلقاً من دون تقيده بالجانب الأيمن وكهيئة المدفون ومنها ما هي مقيدة بالجانب الأيمن وكهيئة المدفون في قبره ولحده.

1 ـ ومن الطائفة الثانية ما رواه الفقيه مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر..) ^([1]).

2 ـ ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدَرَ صلّى إما أن يوجه فيومئ إيماءً، وقال عليه السلام: يوجه كما يوجه الرجل في لحده، وينام على جنبه الأيمن، ثم يومئ بالصلاة إيماءً، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز، وليسستقبل بوجهه جانب القبلة، ثم يومئ بالصلاة إيماءً^([2]).

وجه الإستدلال: فإنّها وإن كانت الرواية مصطدبة من حيث دلالتها، لما فيها من الشرطية المسند صلة من دون أن يذكر عدمها في قوله عليه السلام: (إمّا أن يوجّه) من دون (إمّا) الأخرى جواباً للشرطية إلّا أن ذلك لا يضر بالإستدلال بها في مفروض المسألة من الإنتقال إلى الإضطجاع عند تعذره عن الصلاة جالساً، وإن اضطجاعه يكون على جانبه الأيمن كما في المدفون في لحده.

3 ـ ومنها: ما رواه المحقق في المعتبر قال: روى أصحابنا عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعداً يوجّه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن...) إلى آخر ما جاء في موثقة عمّار، بل كما قيل هي عين ما جاء عن عمّار من دون ما فيه الإضطراب.

وتبع المحقق الشهيد الأول في الذكرى (3: 271) والشهيد الثاني في الروض (251 السطر الأخير) وبإختيار هؤلاء الاعلام بما جاء به المحقق من خبر حمّاد من دون إضطراب في المتن والدلالة يكون هو المتعين في مقام العمل ويظهر من الذخيرة (262 السطر 30) أنهما رواية واحدة عن عمار، واسناد المحقق إلى حماد بن عيسى لعله من سهو قلمه، أو نقل عن نسخة عنده كانت اسناد الراية إلى حماد، بل نقل عن بعض نسخ التهذيب فدلالتها خالية عن القصور والإضطراب.

فإذا تم هذا الاستظهار بأن خبر المعتبر هو خبر عمّار وإنّما ما صدر من المحقق من سهو قلمه، فيتعين العمل بما في موثقة عمار وإن لم يتم هذا الاستظهار فإنّه تكون رواية المحقق مرسلة وضعيفة حينئذٍ بالإرسال إلّا أن قيل بجبرها بعمل الأصحاب، وفي المعتبر من أنها أشهر وأظهر بين الأصحاب، وما في الذكرى: من أن عليها عمل الأصحاب واستظهر سيدنا الحكيم في مستمسكه (6: 12) أن مرادهما من الرواية التي هي أشهر وأظهر وعليها العمل سنخ الرواية الدالة على الترتيب بين الأيمن والأيسر لا خصوص رواية حماد.

ثم قال قدس سره: هذا ولكن الاتصاف أن اسأل الفقيه بمثل: (قال رسول الله) ممّا يدل على غاية الإعتبار عند الصدوق عليه الرحمة ويكفي بذلك سبباً للوثوق بالخبر المروي عنه، ثم رواية عمّار وإن كانت لا يخلو من قصور وإضطراب وتشويش في المتن من جهة الجملة الشرطية المنفصلة من دون بيان عدمها، إلّا أن قوله عليه السلام: (يوجه...) وقوله عليه السلام بعد ذلك: (فإن لم يقدر...) ظاهر أنّ في تعين الإضطجاع على الأيمن.

وصاحب الحدائق (8: 76) أنكر إتحاد الخبرين عن عمار وحماد، لعدم الموجب لذلك، ولا سيما روى المحقق في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة ونقل ذلك من الأصول التي كانت عنده وربّما هذه الرواية كانت من تلك الأصول، ولا سيما ما كان من الاضطراب في متن رواية عمّار لا يوجد في رواية حماد، فيعمل بها حينئذٍ.

وذهب سيدنا الخوئي قدس سره (شرح العروة: 14: 215) إلى أن الظاهر ما ذكره السبزواري في ذخيرته كما مرّ هو الصحيح من إتحاد الخبرين وأنها عن عمّار، فإنّه وإن أمكن أن يروى المحقق بما عنده من الأصول ما ليس في الكتب الأربعة، إلّا أنّه في هذه الرواية قال (روى أصحابنا) مما يدل على أنّ الرواية كانت مشهورة ومعروفة عند الأصحاب ومع ذلك كيف يمكن القول أنه رواها عن أصل غير معروف وصل اليه خاصة دون الأصحاب، وعليه فالظاهر إتحاد الروايتين عن عمار، وذكر حماد ربما من سهو القلم لتشابه الكلمتين بين عمار وحماد، أو أنّ النخسة التي عنده كانت كذلك.

فإذا قبل بتعددهما فحينئذٍ لا يمكن الإعتماد على رواية المحقق لإرسالها لعدم العلم بطريقة إلى تلك الأصول، فالعمدة في الإستدلال ما عرفته من موثقة سماعة وموثقة عمّار من الإضطجاع على الأيمن وكهيئة المدفون كما ذهب إليه المشهور ومنهم المصنف كما هو المختار.

ثم إن لم يتمكن من الجانب الأيمن ولو معتمداً على غيره، فإنّه ينتقل إلى البدل الإضطراري الآخر وهو الاضطجاع على الجانب الأيسر كما عليه المشهور، إلّا أن ظاهر المحقق الحلي في شرايعه: هو القول بالتخيير بين الجانبين، وحكى عن الشيخ المفيد في المقنعة ذلك وكذلك عن جمل السيد المرتضى قدس سره، وعن الوسيلة والنافع وغيرها.

وربّما الوجه في ذلك إعتماداً على المطلقات الواردة في المقام الآمرة بالإضطجاع، وأمّا المقيّدات فإنّما ضعيفة السند كالنبوي المرسل، أو قاصرة الدلالة لموثقة عمّار من حيث الإضطراب في المتن، إلّا إذا أخذ برواية المحقق عن حمّاد، فإنّها خالية عن القصور في الدلالة لعدم الإضطراب في المتن، وأمّا إرسالها فيجبر بعمل الأصحاب، فتكون مقيدة لتلك المطلقات، فتأمل، والمختار ما ذهب إليه المشهور من الترتيب في الإضطجاع أولاً على الأيمن فإن تنذر فعلى الأيسر، وإن تنذر فيصلّي مستلقياً وهذا ما يأتينا بيانه إن شاء الله تعالى.