فقه (40)

14 ربيع الثاني

1440 هـ

مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلاً ولا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع صلّى من جلوس، وكان الإنتصاب جالساً بدلاً عن القيام، فيجري فيها حينئذٍ جميع ما ذكر فيه حتى الإعتماد وغيره، ومع تعذره صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كهيئة المدفون...

أقول: من أحكام القيام فيما لو عجز عنه ولم يقدر على القيام مطلقاً لا كلاً ولا بعضاً حتى ما كان منه بهيئة وصورة الركوع فيما يصدق عليه عرفاً كونه قائماً كمن كان مخلوقاً محدودب الظهر وبهيئة الركوع، أو المنحي ظهره لهوم ونحو ذلك فكان قيامه بهذا النحو، فإنّه يصلّي من جلوس، أي ينتقل من القيام الإختياري إلى البدل الإضطراري وهو في المقام أن يصلّي من جلوس، وهذا لما تسالم عليه الأصحاب وفي المعتبر (مذهب علمائنا) وفي المنتهى عليه إجماع العلماء، وفي كشف اللثام يدل عليه النصوص والإجماع، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً ...﴾.

وفي تفسير الآية في معتبرة أبي حمزة: بأنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلّي جالساً ^([1]).

وورد ذلك في طائفة من الروايات:

منها: النبوي المروي عن الفقيه: (المريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع صلى جالساً، وإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صل على جانبه الأيسر، فإن لم يستطع استعلى وأمّا إيماءً، وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من ركوعه^([2]).

ومنها: عن الإمام الصادق عليه السلام: (يصلّي المريض قائماً، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالساً.

ومنها: صحيحة  جميل: سألت أبا عبد الله عليه السلام: ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعداً؟ فقال عليه السلام: إنّ الرجل ليوعك ويحرج ولكنّه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم) ^([3]).

ومنها: موثقة زرارة: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حدّ المرّض الذي يفطر فيه الصائم، ويدع الصلاة من قيام؟ فقال عليه السلام: بل الإنسان على نفسه بصيرة، هو أعلم بما يطيقه^([4]).

ومنها: مصححة ابن أُذينة عن أبي عبد الله عليه السلام نحو الرواية السّابقة.

ومنها: صحيحة الحلبي في حديث: أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال عليه السلام إن أمكنه القيام فليصل قائماً، وإلّا فليقعد ثم يصلّي^([5]).

ومنها: خبر سليمان بن خالد: سألته عن الصلاة في السفينة؟ فقال عليه السلام يصلّي قائماً، فإن لم يستطع القيام فليجلس ويصلّي.

ومنها صحيحة حماد بن عيسى: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أهل العراق يسألون أبي

عن الصلاة في السفينة؟ فيقول: إن إستطعتم أن تخرجوا إلى الجود ـ الأرض ـ فأفعلوا، فإن لم لم تقدروا (فصلّوا قياماً، فإن لم تقدروا فصلّوا قعوداً) ^([6]).

ونحوها غيرها من الأخبار الوارد في المقام ووجهه الإستدلال في الجميع واضح، فإنّه تدل على صحة الصلاة لمن كان مضطراً ولم يتمكّن من القيام أن يصلّي جالساً.

تنبيه: يا ترى هل الأمور المعتبرة في القيام الاختياري  من الإنتصاب والإستقرار والإستقلال معتبر في القيام الإضطراري أي الصلاة مع السجود.

ذهب المشهور ومنهم المصنف إلى إعتبار جميع ما ذكر من الأمور الثلاثة حتى الإعتماد على الغير، وصدق إنتصابه في الجلوس ما يصدق عليه انتصاب القامة في الجلوس عرفاً.

أمّا الإنتصاب فهذا ما لا شك فيه لإطلاق الدليل، فإنّه ما ورد في قوله عليه السلام  (من لم يقم صلبه من صلاة له) فإنّه مطلق ويشمل حالتي القيام والجلوس كما هو واضح.

وأمّا الإستقرار فكذلك يعتبر في القيام الجلوسي سواء أكان المستند الإجماع أو الرواية المتقدمة (وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة)^([7]). أو إطلاق كلمات المجمعين.

وأمّا الإستقلال، فإن كان معتبراً في القيام، فإنّه في المقام لا يخلو من الاشكال عند بعض الأعلام المعاصرين، لقصور الدليل عن الشمول له، فإن إعتبار الإستقلال في القيام ينحصر في روايتين:

الأولى: موثقة عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط فقال لا، ما شأن أبيك وشأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد^([8]).

والثانية: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: لا قال لا تمسك بخمرك وأنت تصلّي، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي، إلّا أن تكون مريضاً^([9]).

وإنّما لا تدل الأولى على المدعى، لأنّ الإتكاء قد جعل في مقابل القعود، فيكون المراد من الاتكاء هو الاتكاء حال القيام وهذا يعني أن الاتكاء لدى الجلوس خارج عن محل الكلام.

وأمّا الصحيحة: فإنّه وإن قيل بدلالتها على الاستقلال في القيام الجلوسي أيضاً تمسكاً بإطلاق قوله عليه السلام (ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي) فإنّه يشمل حالتي القيام والجلوس.

وإن قيل: بانصرافه إلى القيام، فإنّه يقال بعدم ورود ذلك لزواله بأدنى تأمل.

ولكن إنّما يقال بإختصاص الإستقلال في القيام دون الجلوس بقرينة استثناء المريض بيان ذلك يأتينا إن شاء الله تعالى.