أصول (27)

13 ربيع الأول

1440هـ

عطفاً على ما سبق: في تقيد قاعدة الفراغ بالدخول في الغير من جهة عدم إقتضاء الإطلاق في النصوص ووجود المانع من الإطلاق ومن الروايات التي يستدل به على ذلك موثقة ابن أبي يعفور في قوله عليه السلام: (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شي م تجزه).

فإنّ موردها قاعدة الفراغ لعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء الوجود النص الخاص الدال على ذلك، وقد ذكر في النص الدخول في الغير، فلابدّ من اعتباره في جريان قاعدة الفراغ أيضاً.

وأورد عليه:

أوّلاً: إنّ الموثقة هذه مجملة فلا تصلح للإستدلال بها لقاعدة الفراغ، ووجه الإجمال: لأنّ الضمير في قوله عليه السلام (وقد دخلت في غيره) لا يخلو أمّا أن يكون راجعاً إلى الشيء فيكون مفادها قاعدة التجاوز في الباب الوضوء والحال هذا خلاف الإجماع والنصوص الدالة على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء.

وإن كان الضمير في (غيره) يرجع إلى الوضوء كان مفادها قاعدة الفراغ كما ذكر.

والظاهر رجوع الضمير إلى الشيء كسائر الروايات المذكورة فيما التجاوز عن الشيء المشكوك فيه، وإن لم نقل بهذا الظهور فدونه أن يقال بتساوي الاحتمالين من الرجوع إلى الشيء والرجوع إلى الوضوء، فلا تكون ظاهرة في الرجوع إلى الوضوء حتى تدل على قاعدة الفراغ، فكانت مجملة وإجمالها مما يوجب سقوط الإستدلال بها، ويلزم أن لا يعمل بالخبر على تقدير رجوع الضمير إلى الشي لعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء للنّص الخاص ولكن هذا لا يوجب ظهور الموثقة حينئذٍ في رجوع الضمير إلى الوضوء حتى تدل على قاعدة الدخول في الغير، بل تبقى على إجمالها وأنها غير صالحة للإستدلال بها.

وثانياً: الإستدلال بالموثقة بالنحو المذكور ممّا يوجب التهافت في جمله بين صدرها وذيلها.

بيان ذلك: لو سلّمنا بأنّ الضمير في (ودخل في غيره) يرجع إلى الوضوء، ومن ثم تكون الرواية لبيان قاعدة الفراغ لأنّ التجاوز لا يجري في الوضوء للنص الخاص، ولكن مع ملاحظة مجموعة الموثقة في صدرها وذيلها يوجب ظهورها في أن موضوع عدم الإعتناء بالشك هو التجاوز وذلك لقوله عليه السلام في ذيلها: (إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه) فكلمة لم تجزه تدل على التجاوز وذكر الدخول في الغير من جهة كونه أحد مصاديق التجاوز لا لكونه دخيلاً في موضوع الحكم، ولولا ذلك للزم التهافت والتدافع بين الصدر والذين في خصوص الوضوء فيما إذا شك في شيء منه بعد الفراغ عنه وقبل الدخول في الغير، فإن مقتضى صدر الرواية واعتبار الدخول في الغير أن يعتني بهذا الشك، ولكن مقتضى الحصر المذكور في ذيل الرواية في قوله عليه السلام: (إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه) هو عدم الإعتناء، فالصدر يقول بالإعتناء لأنه لم يدخل في الغير والذيل يقول بعدم الإعتناء لأنه دخل في الغير.

وثالثاً: ومن كان بإعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ، فإن كان مراده اعتبار الدخول في خصوص الفعل المترتب على المورد المشكوك فيه كالدخول في الصلاة عند الشك في صحة الوضوء، فالموثقة لا تدل على ذلك. إذ الشك في خصوص الوضوء وإن كان مراده اعتبار الدخول في مطلق الغير، فيلزمه أن اعتباره حينئذٍ يكون لغواً، لأنّه من الطبيعي أنه لا ينفك الدخول في الغير عند الفراغ، فإنّه بمجرد الفراغ يتحقق ويقع الدخول في الغير المطلق حتماً، ولو كان هذا الغير هو السكون أو الحركة، فإنّ الإنسان في حياته لا يخلو من الأكوان الأربعة: الحركة والسكون والإفتراق والإجتماع.

ورابعاً: على فرض دلالة الموثقة على اعتبار الدخول في الغير عند الفراغ، إلّا إنّه نأخذ بها في خصوص موردها وهو الوضوء، وحينئذٍ لا مانع للأخذ بالإطلاق في قاعدة الفراغ بإعتبار النصوص والأدلة الأخرى فتأمل وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.