أصول (16)

10 صفر

1440 هـ

يقع الكلام عطفاً عل ما سبق: في مناقشة الشيخ قدس سره فيما ذهب إليه من وحدة القاعدتين من جهة وحدة سياق الروايات ووحدة ألسنتها بأنّ المجعول فيها أمرواحد وهو التعبّد بوجود المركب الصحيح سواءاً كان الشك في صحته أم في وجود جزئه، وهذا جامع بين القاعدتين معاً.

ونوقش كلامه أولاً: بأنّ هذا خلاف ظاهر أدلة قاعدة الفراغ إثباتاً فالظاهر عرفاً في قوله (كل ما مضى من صلاتك فأمضه ولا اعادة عليك) في التعبد بصحة الوجود لا وجود الصحيح.

وثانياً: عدم وجود قدر جامع بينهما أو مفاد أحدهما كان التامة وهي قاعدة التجاوز والآخر مفاد كان الناقصة وهي قاعدة الفراغ، ولكن أُورد على هذه المناقشة بعض الاعلام المعاصرين بوجود القدر الجامع بينهما أولاً: وبكون المجعول هو الشك في الشيء والشيء مطلق والمطلق بمعنى الغاء الخصوصيات والقيود فيعم الشك في صحة الموجود أو الموجود الصحيح، ولكن مرّ جوابه بالتفصيل.

وثانياً: كما يظهر من ذيل كلام هذا العَلم سيدنا الخوئي قدس سره في تصوّر القدر الجامع بينهما بأنّ المراد من الشك في الصحة بالدّقة يرجع إلى الشك في الوجود.

والوجه في ذلك: إنّ وصف الصحة منتزع من مطابقة المأتي به للمأمور به، فالشك في الصحة يكون مسبباً عن الشك في وجود جزء أو وجود شرط، فلا مانع من جعل قاعدة شاملة لموارد الشك في الوجود والشك في الصحة معاً بعدم وجود المقتضي وعدم المانع.

وأورد عليه: بوجهين: الأول: لو أريد من الشك في الصحة الشك في الوجود من باب السبب والمسبب بأن الشك في صحة ذات المركب المبهمة من جهة تحقق أجزائه وشرائطه فإنّه سبب عن الشك في وجود جزئه أو شرطه، وقاعدة الفراغ تعبّدنا بحسب الواقع والحقيقة بوجود ذلك الجزء أو الشرط المشكوك فيه، ويلزمه انتفاء الشك في الصحة لكونه مسببياً.

فجوابه: أنّ الصحة ليست حكماً شرعياً، بل حكم عقلي، فترتب الأثر الشرعي حينئذٍ باعتبار اللازم العقلي سيكون من الأصل المثبت.

والثاني: لو أريد بما ذكر كغاية التعبّد بوجود الجزء عن التعبّد بصحة الموجود، فهذا يعني الغاء قاعدة الفراغ حينئذٍ وأن هناك قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز، وهذا ما ذكرنا من قبل من القائلين بكون الثابت من نصوص الباب هو قاعدة التجاوز كما يأتي تفصيله أن شاء الله تعالى وأنه يكون من الأصل المثبت.

ويتضح مما ذكر أنه بناء على ما عند المشهور من إفتراض لزوم تعبدين ظاهر بين التعبد بوجود المشكوك في وجوده، والتعبد بصحة الوجود، ثم ترتب أثر شرعي على كلّ منهما، فإنّه لا يمكن تصوير جامع حقيقي قريب من التعبدين الظاهريين، حتى يمكن استفادته من لسان الروايات، فذهب من الأعلام المعاصرين إلى تمامية مناقشته الشيخ بعدم تصور قدر جامع بينهما، لأنّ أحدهما بمفاد كان التامة والأخرى بمفاد كان الناقصة ولا قدر جامع بينهما.

لقد ذكرنا أنه في مقولة الشيخ خمس مناقشات عند الأعلام من بعده، فمرّ علينا مناقشتان وما ورد في المناقشة الثانية وجوابه، ونفي ثلاث مناقشات فالكلام في المناقشة الثلاثة وهذا ما يأتينا إن شاء الله تعالى.