فقه (10)

29 محرم

1440 هـ

عطفاً على ما سبق في بيان التكبيرات الإفتتاحية فذهب المشهور إلى أن المصلى غير في تعين تكبيرة الاحرام بين الأولى والوسطى والأخيرة وقد تمسك بوجوه: الأول: إطلاق الأدلة بالأمر بالتكبير وإفتتاح الصلاة به، فلم تقييد بالسبق على الست أو اللحوق بالسّت. كما إستدل له في الجواهر في قول المحقق الحلي في شرايعه (والمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيما شاء جعلها تكبيرة الإفتتاح، على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل ظاهر نسبته إلى أصحابنا من بعضهم الإجماع عليه، كنفي الخلاف فيه من آخر صريحاً، لإطلاق الأدلة إطلاقاً كاد أن يكون صريحاً فيه.

الثاني: ظاهر طائفة من الأخبار كصحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها.

الثالث: من جهة عدم اعتبار الخصوصيات الفردية في متعلق الأمر، فإنّ المقصود في المأمور به هو طبيعي متعلق الأمر ويتحقق بأي فرد كان من دون خصوصياته الفردية كأتم الصلاة، فالماهية المأمور بها هي الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد، فالخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر، ومعنى التخيير حينئذٍ في المقام تطبيق التكبيرة على واحدة من السّبع، قد تكون مسبوقة بالست أو متأخرة عنها أو متخللة في الوسط بين الأولى والأخيرة، فالملحوظ في اعتبار الماهية هو التكبيرة الواحدة مطلقاً، وما زاد عليها بأن لكون الأولى أو الأخيرة أو الوسطى فهذه مؤنة زائدة قد تكون وقد لا تكون ويعّد من الخصوصيات الفردية، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس القدر الجامع بين الأفراد والمصاديق، ولا يخفى أن الملحوظ في نصوص الباب هو بيان تعداد التكبيرات بأنها سبع من أفراد ماهية الصلاة بقول مطلق من دون ملاحظة الخصوصيات الفردية كخصوصية كونها الأول والأخيرة أو الوسطى.

ومن هنا كان المقصود أن المحتسب من التكبيرات هي التكبيرة الواحدة مع الغاء بقية التكبيرات الإفتتاحيّة.

في مقام استعداد، إلا إذا قيل بأنّ الأولى هي تكبيرة الاحرام كما عند صاحب الحدائق، فحينئذٍ إطلاق الروايات مما يدل على بطلان قوله، لا بطلان قول المشهور حتّى تدل على تعيّن الأخيرة كما مال إليه صاحب الجواهر أوّلاً وضعفه آخراً.

الرابع: مقتضى اصالة البراءة بالتّعيّن بالأولى أو الأخيرة أو المجموع، من جهة عدم قدح تقديم التكبيرات المستحبة عليها، ولا تأخيرها عنها، ولا تقديم بعضها وتأخير اُخرى، وفيه ثبوت التخيير بأصالة البراءة تأمل كما في دعوى الإطلاق.

والمختار ما ذهب إليه المشهور ومنهم المصنف قدس سره من القول بالتخيير في تعيين تكبيرة الاحرام من التكبيرات السبع.

ثم ذهب المصنف قدس سره إلى جواز نية الاحرام بالجميع أيضاً بمعنى أن المجموع من حيث المجموع يكون بمنزلة تكبيرة الاحرام الواحدة كما مرّ ذلك عن والد العلامة المجلسي قدس سره (المجلسي الأول) تمسكاً بظاهر جملة من الأخبار المعتبرة، منها: مضافاً على ما تقدم صحيحة زيد السّحام: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام، الإفتتاح؟ فقال تكبيرة تجزئك، قلت فالسبع؟ قال عليه السلام: ذلك الفضل[1].

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: التكبيرة الواحدة في إفتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل والسّبع أفضل كلّه[2].

ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: الإمام تجزئة تكبيرة واحدة وتجزئك ثلاث مترسلاً إذا كنت وحدك^([3]).

ومنها، خبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى عليه السلام: قلت له: لأيّ علة صار التكبير في الإفتتاح سبع تكبيرات ... إلى أن قال عليه السلام: فتلك العلة يكبر للإفتتاح في الصلاة سبع تكبيرات^([4]). إلى غيرها من الأ×بار الواردة في الباب.

وذهب بعض الأعلام المعاصرين بأنّ نصوص الباب بالجملة ما بين ظاهر أو صريح في هذا المعنى بأن يكون مخيراً من حيث المجموع وبين ما هو غير آب له في الجملة، فيتعين البناء عليه حينئذٍ.

وإذا قيل في مقام الاشكال كما عن صاحب الجواهر قدس سره: إنه لابدّ من الخروج عن هذا القول لما دل عليه الإجماع من وحدة التكبير بأن تكون تكبيرة واحدة، والإجماع دليل لبّي يؤخذ فيه بالقدر المتيقن وهي أن تكون تكبيرة واحدة وليس المجموع.

فأجيب عنه أولاً: أن هذا غير ظاهر، لامكان دعوى تواتر النصوص إجمالياً أي في الجملة نقطع بأنّ واحد من هذه النصوص صدرت عن المعصوم عليه السلام أو تواتراً معنوياً أن الألفاظ وإن كانت مختلفة إلّا أنها تدل على حقيقة واحدة كالروايات الدالة على شجاعة أمير المؤمنين علي عليه السلام.

وثانياً: القطع والعلم بخلاف هذه النّصوص غير ثابت ولم يكن متحققاً.

وثالثاً: اعراض الأصحاب عنها بنحو يوجب سقوطها عن الإحتجاج بها وعن حجيتها غير حاصل لا مكان أن يكون ذلك إن كان لشبهة حصلت عندهم فأعرضوا عنها.

ورابعاً: لا مانع من التخيير بين الأقل والتكبيرة الواحدة وبين الأكثر ومجموع التكبيرات الثلاث والخمس والسّبع عقلاً، فيما لو كان للأكثر هيئة اتصالية عرفية اعتبارية توجب صحة انطباق الطبيعة على الأكثر كإنطباقها على الأقل كالخط الطويل والقصير.

فإنّ الهيئة الإتصالية متحقق في عنوان الخط على القليل والكثير وعلى الطويل والقصير.

وخامساً: ولو قيل بإمتناع التخيير على الأقل والأكثر مطلقاً، فحينئذٍ يلزمه تعين الأولى أن تكون الواجبة والباقية مستحبة كما عند صاحب الحدائق لا القول بالتخيير كما عند المشهور.

وسادساً: كما يلزم أن يكون الجميع للإفتتاح لا أن واحدة منها للإفتتاح لا على التعين للقول بالتخيير والزائد عليها لغير الإفتتاح كما هو المشهور، وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.