يقع الكلام عطفاً على ما سبق في اشتراط الاستصحاب التعبدي أو الظني من وحدة الموضوع في القضيتين وكذلك وحدة المحمول لعدم تصور بقاء الموضوع مع الوصف بدون المحمول وإنّما في عباقر الأعلام بوحدة الموضوع أو وحدة القضيتين موضوعاً لبيان أهميّة الموضوع أو بقاء الموضوع بوصف الموضوعيّة، وبقائه بهذا الوصف عبارة أخرى عن بقاء الموضوع والمحمول وأياً كان فقد إستدلوا على ذلك بوجوه  مرّ الوجه الأولى والثاني، وأمّا الوجه الثالث ما ذهب إليه بعض الاعلام ومنهم شيخنا الأعظم قدس سره من باب الدليل العقلي.

بيان ذلك: أنّ الوجود أمّا جوهر أو عرض، الأول هو الوجود لا في موضوع، إذ يكون هو الموضوع للعرض، فالمعرض هو الوجود في موضوع، وقيام العرض كالبياض في الخارج بلا موضوع كالجسم محال، ولازمه وإستحالة انتقال لعرض من موضوع إلى موضوع آخر، لأنّه عقلاً بعد الإنفصال عن الموضوع الأوّل وقبل الإتصال بالموضوع الثاني يلزم وجوده بلا موضوع وهو خلاف الفرض، فحينئذٍ يعتبر في الإستصحاب بقاء الموضوع الأول، وإلّلا يلزم إنتقال عرض من موضوع إلى موضوع آخر وهو محال، وبعبارة أخرى: قال الشيخ في الخاتمة: ثم الدلي على اعتبار هذا الشرط في جريان الإستصحاب واضح، لأنّه لو لم يعلم تحققه لاحقاً، فإذا اُريد إقاء المستصحب العارض له التقوم به، فإمّا أن يبقى في غير محل وموضوع وهومحال، وأمّا أن يبقى في موضوع غير الموضوع السابق، ومن المعلوم أنّ هذا ليس ابقاءً لنّفس ذلك العارض، وإنّما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد، فيخرج عن الإستصحاب، بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقاً بالعدم، فهو المستصحب دون وجوده...، فإستدل على اشتراط واعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بأنّه لولا ذلك للزم أحد محذرين: أما بقاء العرض بلا موضوع وهو محال، لأن لازمه بقاء المعلول بلا علّة وهو محال حيث إنّ الموضوع من علل تشخص العرض في الخارج كزيد في عرض العدالة عليه، فيتفع بقاء العرض وهي العدالة من دون موضوع، أو يلزمه انتقال العرض أي العدالة إلى موضوع آخر كعمرو، وهذا أيضاً مما لا يلتزم به لعدم كونه إبقاءً لنفس ذلك العارض وهو عدالة زيد بل هذه عدالة ثانية لعمرو، فهو حكم بحدوث عارضي مثله في موضوع جديد، وهذا خارج عن عنوان الإبقاء الذي هو من أركان الإستصحاب بل حقيقة ماهيته ابقى ما كان على ما كان.

وأورد عليه:

أولاً: لابدّ من التطابق بين الدليل والمدعي فلا يصحّ أن يكون الدليل أخص أو أعم من المدعي، وفي المقام الدليل أخص من المدعي، فإنّ المستصحب لا يكون من الأعراض القائة بالموضوعات الخارجيّة دائماً، بل أعم من ذلك فتارة يكون من الجواهر، وقد يكون من الأمور الاعتبارية التي ليس لها وجود في الخارج إنّما لها ما بازائها في الخارج كالزوجيّة والملكيّة، وثالثة ربما يكون المستصحب من الأمور العدمية، وعلى كل حال لازم ذلك أن يكون الدليل المذكور أخص من المدعي وهومردود.

وثانياً: لماذا الخلط بين التكوينيات والتشريعات أو الحكم الواقعي والحكم الظاهري، فإنّ الثاني من الأمور الاعتقادية والأول من الحقيقة وكم فرق بينهما ولكل أحكامه الخاصة، وهذا ما يحصل عنه كثير من أساطين الأصول من الخلط بين العقليات والشرعيات، فاستحالة وجود العرض بلا موضوع إنّما هو في الأمور والوجودات التكوينية، لا الوجود الإعتباري الشرعي التعبّدي، فإن الوجود التعبدي إنّما التعبّد به بترتيب آثاره عليه بأمر الشارع، ولا يستحلل التعبد بانتقال عرض من موضوع إلى موضوع آخر، مثلاً: إذا أمر المولى بأنّه إن كنت على يقين من عدالة زيد فتعبّد بعدالة أبيه بترتيب آثار العدالة عليه، وهذا ليس من الأمر المستحيل، لأنّه من الاعتباري واعتباريته بيد المعتبر في ترتب الأحكام وفي الوجود والعدم.

وثالثاً: لو قبل بتمامية هذا الدليل العقلي والإستدلال فإنّه مما يبعد المسافة عن المقصود من وحدة الموضوع، لأنّ نفس أدلة الإستصحاب كافية ووافية في اشتراطه بوحدة الموضوع أو اتحاد القضيتين موضوعاً ومحمولاً كما تقدم.

وخلاصة مناقشة الشيخ وما أورد عليه هو الخلط بين البقاء الذي هو شرط في الاستصحاب بين الحقيقي والتكويني والعقلي وبين الاعتباري التعبّدي الشرعي، فلزم المحذرين من كون العارض بلا معروض أو انتقال من موضوع إلى آخر وهما مستحيلان إنّما هو في البقاء الحقيقي التكويني وإلّا في التعبدي والاعتباري لا يلزم ذلك، إذ أن مفاد الاستصحاب هو ترتب آثار وجود المستصحب كالعدالة لزيد في ظرف وزمان الشك في بقائها في الزمان اللاحق، وهذا حكم ظاهري ويقتضي ترتيب آثار العدالة شرعاً على العدالة المشكوكة وليس مقتضى الاستصحاب بقاء العدالة الواقعية حتى يلزم أحد المحذورين، فاستحالة انتقال العرض حقيقة كما هو مقتضى البرهان العقلي لا تستلزم اسحالة انتقال العرض تعبّداً، كما كان مقتضى الاستصحاب، فإنّه من الحكم الشرعي الظاهري الاعتباري ويكون بيد المعتبر كيف ما شاء فالبرهان العقلي على استحالة العرض بلا معروض وإنتقال العرض إلى آخر ذلك ف يالعارض والمعروض الحقيقي التكويني دون التعبدي الاعتباري فلا يكون دليلاً عقلياً على اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بل الدليل هو ما يستفاد من أخبار الباب كما هو المختار.