مسألة 14 ـ وقت النية إبتداء الصلاة وهو حال تكبيرة الاحرام، وأمره سهل بناءً على الداعي، وعلى الإحظار اللازم اتصال آخر النيّة المحظرة بأوّل التكبيرة، وهو أيضاً سهل.

أقول: من الناس من يبتلى بالوساوس، فإنّه من الأمراض النفسيّة، ومن موارده الشك في النيّة على إختلاف البنيين سواء أكان بمعنى الداعي القلبي أو الاحظار الذهني كما مرّ تفصيل ذلك، فأراد المصنف أن يشير إلى أنّ نية العمل كنية الصلاة مثلاً من الأمر السّهل سواء كان المبنى في تعريفها وبيان حقيقتها بأنّ بمعنى الداعي القلبي وقصد الامتثال لأمر الله والتقرب منه أو إحضار صورة الصلاة إجمالاً أو تفصيلاً على إختلاف الأقوال في الذهن حين تكبيرة الاحرام فيكفي في النية القصد الإجمالي المتحقق في أفق النّفس الباعث لاتيان العمل في جميع الأفعال الإختيارية سواء العبادات أو غيرها، فلا فرق في ذلك إلّا من جهة قصد التقرب إلى الله سبحانه في العبادات، وهذا أمر سهل وكذلك الأمر سهل لو كانت النية بمعنى الإحظاري أي احضار صورة العمل بتمامه في الذهن مقارناً للتكبير وقيل ما ذكره المصنف على ظاهر عبارته في الاحظار من الأمر المتعذر أو المتعسّر، وربما يقال بعدم ظهور كلماتهم في بيان المقصود والمراد، وذلك من جهة أنّ النية التفصيلية كما هي في الغالب تدريجيّة الوجود ويكون معنى المقارنة أن تكون المقارنة بين تمام وجودها وبين أول التكبير فكيف يكون ذلك، فلو قيل حضور النية بتمامها أول التكبير بدلاً من قوله قدس سره (وعلى الاحظار اللازم اتصال آخر النية المحظرة في الذهن بأول التكبير) لسلم من الإشكال من كونه متعذر التصور أو متعسراً، فتأمل.

وعلى أي حال حصول النية من الأمر السهل وما زاد على ما ذكر فهو من الوسواس وهواجس نفسانية ينبغي للعاقل الإجتناب عنها، فلا يشتغل بها ويلتف الوقت من أجلها.

وقد أشار بعض الأعلام المعاصرين أنه لو وجب على الإنسان أن يصلي بلا نيّة لتعذر ذلك، لأنّه من البديهي والوجداني أن الفعل الإختياري لا يصدر إلّا مع القصر والنيّة، فلا يمكن تفكيكه عن القصد والنيّة، فالصعوبة في ترك النية لا فعلها، فتأمل.

مسألة 15 ـ يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة، بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيّراً، وأمّا مع بقاء الدّاعي في خزانة الخيال، فلا تضرّ الغفلة، ولا يلزم الاستحضار الفعلي.

أقول: إن أخذ النية في العبادات على نحوين: فتارة يؤخذ بعنوان الموضوعية وأخرى بعنوان الطريقية، ومن الأول الصوم، فإنّه يشترط فيه النية من أول الفجر الصادق وإلى الغروب الشرعي من دون الإنقطاع ولو بمجرد نيته من دون أن يأتي بمفطر، ومن الثاني: الصلاة فيجب إستدامة النية إلى آخر الصلاة على نحو الطريقية بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة ومطلقاً بنحو يزول الداعي القلبي على وجه لو قيل له: ماذا تفعل لبقي متحيراً، ومعنى هذا التحير في الجواب كونه غافلاً عن صلاته وإنمحى الداعي من قلبه، وإلّا فإنّ وجود الداعي في النفس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل التحيّر والشك، فوجود الحيرة والتحيّر علامة على عدم وجود الداعي في أفق النفس، فيكون فعله من الغفلة حينئذٍ لما يصحّ منه العمل.

ولكن قيل: إذا كان منشأ التحيّر وجود المانع من توجه النّفس إلى ما في خزانة الخيال، لم يكن التحير عندئذٍ دليلاً على عدم وجود الداعي، فتأمل.

فالتحيّر كاشف من زوال النيّة الإجمالية المرتكزة في أفق النّفس، فإنّه مع وجودها وبقائها يلزم الإلتفات إليها بأدنى توجه ولو بسؤال السائل ماذا تفعل.

والمقصود من النية الإستدامية الطريقية أن يستند الفعل في البقاء إلى ما كان يستند إليه في الحدوث فيكون المستند واحداً حدوثاً وبقاءً، ولا فرق في ذلك إلّا من جهة الإلتفات التفصيلي عند الحدوث، والإجمالي عند البقاء.

فالوجه والدليل في وجوب استدامة النية في الصلاة واضحن لأنّه من الضروري عدم صدق الإتيان بتمام العمل المركب من الأجزاء عن نية إلّا بمعنى الإستدامة بالنية ولو بالقوة.

فإذا كان بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضر الغفة حينئذٍ، ولا يلزم الاستحضار الفعلي في تمام حالات الصلاة على نحو التفصيل، فإنّه أولاً: يتعذر ذلك في الغالب، وثانياً: كما يوجب سلب الخشوع المطلوب في الصلاة، وثالثاً: كما لا دليل عليه وعدم الدليل دليل العدم. ورابعاً: إنما الواجب في العبادة صدورها عن الداعي القلبي في مقام الإمتثال والتقرب، ولا يشترط الالتفات الفعلي إلى ذلك الداعي، والمختار ما ذهب إليه المصنف قدس سره.