التنبه الثالث عشر

قال المصنف: الحادي عشر: لا اشكال في الإستصحاب فيما إذا كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع...).

أقول: المقصود من هذا التنبيه الثالث عشر في سلسلتنا والحادي عشر عند المصنف والسابع عند شيخنا الأعظم قدس سرهما.

والعاشر عند سيدنا الخوئي قدس سره هو بيان جريان أصل الاستصحاب المعروف بأصالة تأخّر الحادث، وذلك في الحاويتين المعلوم حدوثهما وعدم جريان الأصل فيهما، وكذلك بيان الصور التي تختلف بإختلاف الصور حكم الأصل الجاري فيها بين الإثبات والنّفي.

والمصنف قدس سره قبل أن يدخل في صلب الموضوع يتعرض لبيان أصل الموضع وهو حكم الشك في أصل حدوث حادث مطلقاً سواء من موضوع أو حكم.

فقال: أنّه لا إشكال في جريان استصحاب العدم في حدوث حادث من موضوع أو حكم، لتحقق أركان الإستصحاب فيه من اليقين السابق والشك اللاحق وترتب الأثر الشرعي على المستصحب المشكوك فيه الثابت بالإستصحاب وكذا لو شكّ في إرتفاع حكم أو موضوع ذي حكم ومتعلق الحكم بعد العلم يتحققه ووجوده، فيستصحب وجوده إلى زمان العلم بإرتفاعه.

وخلاصة الكلام: إنّما يبحث في هذا التنبيه: عن الاستصحاب في الحادث المتأخر فهل يجري في الوجود والعدم المضافين إلى زمان خاص، ومثاله: كترتب الأثر الشرعي على إسلام زيد مثلاً يوم الجمعة، أو الوجود (العدم المضافين إلىزماني خاص كإسلامه قبل تقسيم أمواله على ورثته، كما يجري في الوجود والعدم المضافين إلى المذهب كوجود زيد وعدمه أم لا يجري الاستصحاب في الموردين.

فلا اشكال في الاستصحاب فيما إذا كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع، ومن الأول: كالشك في طهارة شيء بعد العلم بنجاسته كما إذا شك في طهارة ثوبه بدون عصر الثوب مثلاً، أو حصول حليّة الذبيحة بتذكية الكتابي يا نه لو ذبح فهل تحلّ ذبيحته، فإن استصحاب عدم طهارة الثوب وعدم حلية الذبيحة جارٍ بلا اشكال إن لم يجر فيها لأصل الموضوعي.

ومن الثاني: كالشك في موت غائبٍ وغيره من الموضوعات ذوات الأحكام الشرعية، فإنّه لا إشكال في استصحاب عدم تحققه وترتيب آثار حياته من وجوب الاتقان على زوجته وحرمة تقسيم أمواله وغيرهما من أحكام الحياة.

فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في أصل الحدوث، وأمّا إذا كان الشك في كيفية حدوثه من التقدم والتأخر بعد القطع بأصل تحققه.

فلا يخلو الأمر من حالين وصورتين: فإمّا أن يلاحظ التقدم والتأخر بالنسبة إلى أجزاء الزمان، كما إذا قطع بوجود زيد يوم الجمعة، وشك في أن مبدأ وجوده كان يوم الخميس أو يوم الجمعة أو يلاحظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث آخر مع العلم بزمان تحققه، كما إذا علم بولادة زيد يوم الجمعة، إلّا أنّه شك في تقدم الولادة على وفاة عمرو وتأخرها عنها.

بيان ذلك: أمّا في الصورة الأولى: فيما يلاحظ التقدم والتأخّر بالإضافة إلى أجزاء الزمان، فلا اشكال في جريان الاستصحاب في عدم تحقق الحادث في الزمان الأول، وترتيب آثار عدمه في ذلك الزمان.

مثاله: لو علم بكون زيد ميتاً يوم الجمعة، ولم يعلم أن حدوث موته كان فيه (في الخميس) فلا مانع من استصحاب عدم موته يوم الخميس، وترتيب آثاره كوجوب الإنفاق على زوجته وحرمة تقسيم أمواله على ورثته، دون الآثار المترتبة على تأخره عن يوم الخميس، لأنّ تأخر حدوثه موته عن يوم الخميس من اللازم العقلي لعدم حدوثه عن يوم الخميس، والاستصحاب لا يثبت اللازم العقلي ولا الأثر الشرعي المترتب عليه، فإنّه من الأصل المثبت وهو ليس بحجة في الأصول ومنها الاستصحاب كما مرّ تفصيل ذلك.

والمثال الآخر: فيما إذا علم بعدم اللام زيد يوم الأربعاء وشك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة، فإنّه لا إشكال في استصحاب عدم إسلامه إلى زمان اليقين بوجوده وهو يوم الجمعة، وترتيب آثار عدم حدوثه يوم الخميس، فأجتمعت أركان الاستصحاب فيه.

وأمّا الصورة الثانية: فيما يلاحظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث آخر فهذا ما يأتينا تفصيله، إن شاء الله تعالى.