مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير، فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محل العدول، بل لو نوى أحدهما وأتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحّة، ولا يجب التعيين حين الشروع أيضاً.

أقول: يقع الكلام عطفاً على ما سبق وتفريعاً لما مرّ من عدم وجوب تعيين القصر والتمام كما ذهب إليه المصنف وجماعة من الأعلام، فإذا كان في أحد أماكن التخيير الأربعة أو الخمسة المعروفة كالحرمين ومسجد الكوفة والحائر الحسيني وقيل مسجد البصرة فلو نوى القصر جاز له العدول منه إلى التمام وكذلك العكس بأن ينوي التمام فيعدل إلى القصر بشرط أن لا يتجاوز محل العدول.

والوجه في ذلك: أن الظاهر من أدلة القصر أن القصر والتمام حقيقة وماهية واحدة، إنّما الإختلاف والفرق بينهما من جهة بشرط لا وبشرط شيء، فالقصر بشرط لا أي ركعتان بلا زيادة، والتمام بشرط شيء أي بشرط أربع ركعات، فالتخيير في الأماكن الخاصة بين القصر والتمام سيكون من قبيل التخيير بين الركعتين بشرط لا، والركعتين بشرط ركعتين أُخريين هذا أوّلاً.

ثم ثانياً: مع وجود مقتضي التخيير لا مانع من الأخذ بإطلاق أدلة التخيير الذي يعمّ التخييري الإبتداي أي أنّه مخير في الإبتداء قبل الشروع والتخيير الاستمراري أي بعد الشروع في العمل فإنّه لا يزال مخير بين التمام والقصر إلّا أنه بشرط أن لا يتجاوز المحل كما هو واضح، فكما تكون المكلف مخيراً بين القصر والتمام قبل الدخول في الصلاة كذلك يكون مخيراً بعد الدخول فيها تمسكاً بإطلاق الأدلة.

وهذا يرجع إلى المبنى من عدم أخذ خصوصية القصر والتمام في ذات الصلاة شرعاً حتى يجب التعيين كما كان في الظهر والعصر فلم تكن خصوصية القصر والتمام التي هي من مكتنفات المأمور به واجبة من أول الأمر حتى تحتاج إلى التعيين، فإنّ أمر الصلاة قد تعلق بالطبيعي من الصلاة الجامع بين ذات الركعتين وذات الأربع وخصوصية التمام والقصر خارجة عن حيّز الأمر المولوي ولكن على المبنى الآخر من وجوب التعيين في القصر والتمام وأنهما حقيقتان مختلفتان نظير الظهر والعصر، فإنّ العدول من أحدهما إلى الآخر حينئذٍ يحتاج إلى دليل، وعدم الدليل دليل العدم، والتمسك بالاطلاق لا يصلح لإثبات العدول من أحدهما إلى الآخر، لأنّه لم يثبت في الدليل أن المكلف قادر على قلب ماهية الصلاة إلى ماهية أخرى غير الماهية الأولى، وعند الشك في جواز العدول وعدمه، فالأصل عدم صحة العدول، ولازمه الحكم بالمنع عن العدول في الأثناء.

ولكن اطلاق دليل التخيير الشامل للتخيير الإتبدائي والاستمراري يقتضي جواز العدول في الأثناء من القصر إلى التمام باستئناف التمام،فتأمل.

ثم يتفرع على ما ذهب إليه المصنف قدس سره من جواز العدول من القصر إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محل العدول أكثر من ذلك، فإنّه لو نوى أحدهما وأتم الآخر من غير إلتفات إلى العدول فالظاهر الصحة أيضاً.

والوجه في ذلك: لقد مرّ في المسألة الأولى بالتفصيل أن الفعل العبادي قوامه أن يصدر الفعل من الفاعل بقصد داعي أمر المولى وهو إتيان وإمتثال المأمور به بذاته قربة إلى الله تعالى، وأمّا الخصوصيات فإن كانت تشريعية أخذها الشارع قيداً في المأمور به فلابدّ من تعينه كخصوصية الظهر والعصر لإختلاف طبايعهما، فيجب التعيين لتوقف صدور الفعل عن داعي الأمر عليه، فما لم تكن الخصوصية مأخوذة في الأمور به على نحو القيدية الشرعيّة، فإنّه لا مانع من صحة العبادة لو وقع منه الفعل بداعي إمتثال أمر المولى قربةً إليه وإن لم يلتفت إلى الخصوصية الخارجة عن أمر المولى، كما في مفروض المسألة فلو نوى أحدهما وأثر على الآخر من غير التفات إلى العدول صحت صلاته، لأنّه لم يفت منها إلّا قصد خصوصيتها القصرية أو التماميّة، وهذا لا يقدح ولا يضرّ في تحقق عبادية الصلاة لحصول قوامها وهو الصدور بداعي أمر المولى، وليس قصد خصوصية التمام والقصر كخصوصية الظهر والعصر مما له دخل في عباديتها.

ولكن على المبنى الآخر لو قيل بدخل خصوصية القصر والتمام في العبادة في عرض قصد الامتثال وليس في طوله كان البناء على البطلان في محلّه، ولكن عند سيدنا الحكيم المبنى غير ظاهر، بل إذا رجعنا إلى العرف والعقلاء لكان شاهداً على خلاف هذا المبني، ومن ثم لا خلاف عندهم في بحث التجرّي والإنقياد من حسن الانقياد وترتب الثواب على الفعل المنقاد به، وإن وقع بينهم الخلاف في قبح التجرؤ وترتب العقاب على الفعل المتجرأ به، فقيل عليه العقاب دون العقاب.

ثم يفرع السيد قدس سره على ما ذكره بعض الفروع فراجع وتأمل، وللحديث صلة.