عطفاً على ما سبق في عدم حجية الأصل المثبت في الإستصحاب كما هو المشهور والمختار ذكر بعض الأعلام المعاصرين في التنبيه على أمرين، والمقصود من التنبيه أنه قد ذكر فيما مرّ الإشارة إليه، إلّا أنّه لأهميته ينبّه عليه مرّة أخرى بتوضيح وبيان.

فالتنبيه الأول: لو قيل بحجيّة الأصل المثبت في نفسه بما هو هو والمقصود منه ومعناه ترتّب الآثار الشرعيّة المترتبة على اللوازم العقلية أو العادية، فهل يكون معارضاً عدم تلك اللوازم عند الشك في وجودها لكونها مسبوقة بالعدم في الجملة لكونها من الحوادث، فتكون الأصول المثبتة حينئذٍ ساقطة عن الحجيّة لابتلائها بالمعارض دائماً، وإذا تعارضا تساقطا.

فذهب الشيخ الأعظم قدس سره أنه حتى على القول بحجيّة اأصل المثبت، فإنّه لا مجال ولا معنى لمعارضته باستصحاب عدم اللازم وذلك من باب حكومة السبب على المسبب لكون استصحاب بقاء الملزوم حاكماً على استصحاب عدم اللازم والوجه في ذلك: لأنّ استصحاب بقاء الملزوم على تقدير حجيّة الأصل المثبت يرفع الشك في اللازم، فلا مجال لجريان الإستصحاب فيه.

فإنّ الآثار الشرعية سواء مع الواسطة كمتوسط اللوازم العقلية أو العادية أو بدون الواسطة، فإنّه لا يعقل فيهما تعارض الاستصحاب لكون السبب حاكم على المسبب، فلا معنى للتعارض بين استصحاب بقاء الملزوم واستصحاب عدم اللّازم، فكلاهما مسبوقان بالعدم، ولما لم يكن في الآثار الشرعيّة من دون واسطة تعارضاً بين بقاء الملزوم وعدم اللازم كذلك لو كانت مع الواسطة كاللوازم العقلية أو العادية.

وهذا نظير استصحاب الطهارة في الماء، فإنّه يرفع الشك في نجاسة الثوب المغسول به، ولا مجال لجريان استصحاب النجاسة كي يقع التعارض بينه وبين استصحاب طهارة الماء، وكذلك الحال في الآثار الشرعية مع الوسائط العقلية أو العادية على القول بحجيّة الأصل المثبت.

بيان ذلك: لأنّ اللازم على هذا المبنى ليس بنفسه مورداً للتعبد بالإستصحاب الجاري في الملزوم، ولمّا كان اللازم مسبوقاً بالعدم، فإنّه يجري فيه استصحاب العدم، ومقتضاه عدم ترتب آثاره الشرعية، فيقع حينئذٍ التعارض بينه وبين الاستصحاب الجاري في الملزوم في خصوص هذه الآثار.

وبعبارة أخرى: على هذا المبنى الثالث لنا يقينان: يقين بوجود الملزوم سابقاً فيستصحب، ويقين بعدم اللازم سابقاً، فيستصحب، ومقتضى الأول ترتيب جميع آثاره الشرعية حتى الآثار التي كانت مع الواسطة، ومقتضى الثاني: عدم ترتيب آثاره الشرعية التي كانت آثاراً للملزوم مع الواسطة، فيقع التعارض بين الاستصحابين في هذا القسم من الآثار أي التي مع الواسطة، فترتب على الأول دون الثاني.

وخلاصة الكلام: إنّ أدلة حجية الاستصحاب لا تدل على حجية الأصل المثبت ولزوم ترتب الآثار الشرعية مع الواسطة العقلية أو العادية، تارة من جهة عدم المقتضي لذلك، وأخرى من جهة وجود المانع والإبتلاء بالمعارض على المبنى الثالث على تقدير تسليم وجود المقتضي له، فتأمل.