مسألة 4: من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمداً حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركها، نعم إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع.

أقول: من أحكام الأذان والإقامة لو تركها أو أحدهما عمداً أو نسياناً ودخل في الصلاة، ففي الأوّل ذهب المشهور بل نسب إلى الأكثر لا يجوز له قطع صلاته وتداركهما أو أحدهما، وذلك لحرمة قطع الفريضة، فلا تبطلوا أعمالكم، وإذا جاز القطع كما ورد في بعض النصوص فإنّه مختص بصورة النسيان.

ففي العمد يحرم قطع الفريضة أولاً: أو لا يجوز ارتكاب المحرم لإدراك المستحب، وثانياً: إطلاق لا تبطلوا أعمالكم والقيد ورد في صورة النسيان، وثالثاً: إختصاص ما دل على جواز القطع في صورة النسيان فلا تعّم العامد، ورابعاً: يجب إتمام الصلاة كوجوب إتمام العمرة والحج (وأتموا الحج والعمرة لله).

وعن الشيخ الطوسي قدس سره في النهاية والحلّي إن نسي الأذان والإقامة ودخل في الصلاة مضى ولم يرجع، وإن تركهما متعمداً رجع ما لم يركع، إلّا أن دليلّيهما غير ظاهر.

وإذا قيل: أنّ المصنف ذهب إلى أنّ الأحوط في الإقامة وجوبها على الرّجال، فكيف قال بعدم جواز قطع الفريضة لتداركها.

فأجيب عنه: أنّه لم يلتزم قدس سره بكون الإقامة من شرط الصحة لصلاة الرّجل حتى يقال ببطلانها ما لم يُقم، بل التزم بوجوب الإقامة نفسياً قبل صلاته وليس غيرياً وشرطياً، وعليه لو تركها ودخل في الفريضة كان دخوله فيها صحيحاً وإن أثم بترك واجب، فلا يجوز قطعها لعدم جواز قطع الفريضة كما تقدم من الوجوه.

وأمّا في صورة النسيان جاز لناسي الأذان والإقامة أو أحدهما قطع صلاته لتداركهما ما لم يركع مطلقاً سواء أكان منفرداً أو في جماعة وفي حال الذكر كما ذهب إليه المشهور ويدل عليه صحيحة الحلبي:

وبإسناده ـ محمد بن الحسن ـ عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج وإبن أبي عمير عن حماد عن الحلبي:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع، فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت ركعت فأتمّ على صلاتك ^([1]).

ولكن ورد في صحيحة داود بن سرحان.

وعنه ـ محمد بن الحسن ـ عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن وارد بن سرحان:

عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة، قال: ليس عليه شيء ^([2]).

فهل تقع المعارضة بينهما.

وكذلك ما ورد في صحيحة زرارة: محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد بن عثمان عن عبيد بن زرارة عن أبيه:

قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة، قال عليه السلام: فليمض في صلاته فإنّما الأذان سُنّة ^([3]).

وكذلك خبر زرارة.وعنه ـ محمد بن الحسن ـ عن سلمة بن الخطاب عن أبي جميلة (ابن جبلة) عن ابن بكير عن زرارة:

عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: رجل نسي الأذان والإقامة حتى يكبّر؟ قال عليه السلام يمضي على صلاته ولا يعيد ^([4]).

فقيل: في مقام الجمع بين الطائفة الثانية الدالة على عدم القطع والأولى الصحيحة الدالة على جواز القطع أنّه كما يجوز القطع يجوز المضي وعدم القطع، ولعلّ ظاهر النص الثاني يدل على ذلك بقرينة ما ورد فيه من التعليل بأنّ الأذان سنّة، وكذلك ظاهر الخبر الأول صحيح داود، وربّما ظاهر جميع ما ورد في جواز المضي لدفع توهّم وجوب القطع.

وقيل بعدم المعارضة بينهما، لأن ترك الأذان والإقامة حتى لو قيل بوجوبها الإقامة فتوىً أو احتياطاً، فإنّه لا يوجب بطلان الصلاة لكون وجوبها وجوباً نفسياً وليس غيرياً وشرطياً حتى يوجب عند فقدان الشرط فقدان المشروط وعدم صحته، وهذا يجري في الترك العمدي فضلاًَ عن الترك النسياني، فتأمل.

وقيل بالمعارضة بين صحيحة الحلبي المتقدمة وصحيحة محمد بن مسلم:

وبإسناده ـ محمد بن الحسن ـ عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان عن العلا بن زرين عن محمد بن مسلم: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة؟ قال: إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصّل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليقم وإن كان قد قرأ فليتم صلاته ^([5])، ورواه الكليني عن محمد بن إسماعيل مثله.

وكذلك ما ورد في خبر زيد الشحام:

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زيد الشحام أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة فقال: إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليقم، وإن كان قد دخل في القراءة فليتم صلاته ^([6]).

فقيل: كذلك جمعاً بينها وبين الصحيحة لا مانع من حملها على الرخصة في المضي وعدم وجوب القطع لكون الصحيحة نصّاً في جواز الرجوع.

وقيل بعدم المعارضة فإنّ الصحيحة دلّت على جواز القطع في صورة النسيان والإتيان بالصلاة الأفضل بأن تكون مع الإقامة وإن جاز المضي كما في الطائفة الأخرى، فالإختلاف بينهما من جهة التحديد بما قبل الركوع وبما لم يقرء حينئذٍ يحمل على مراتب استحباب الأذان والإقامة في الفريضة، وإنّ إستحبابها قبل أن يركع وإن كان ثابتاً إلّا أنه قبل أن يقرء آكد في الإستحباب.

ولكن تبقى المعارضة بين الصحيحة وصحيحة علي بن يقطين وهذا ماي أتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.