عطفاً على ما سبق: في مسالة استحباب الفصل بين الأذان والإقامة بفاصل كصلاة ركعتين كما في صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري كما مرّت أو بخطوة أو قعدة أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سكوت، بل وتكلّم إلّا في صلاة الغداة وكذلك صلاة المقرب لما ورد في بعض النصوص النهي عن ذلك كالخبر المروي في الفقيه والمجالس في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (ويكره الكلام في الأذان والإقامة في صلاة الغداة) وأمّا المغرب ففي الشرائع قال: (السادس: أن يفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة إلّا في المغرب، فإنّ الأولى أن يفصل بخطوة أو سكتة) كما حكى ذلك في المعتبر أيضاً، وفي المنتهى: أضاف على ذلك التسبيحة إلى الخطوة والسكتة، ونسب ذلك في المعتبر والمنتهى إلى علمائنا، وربما القول بذلك لما ورد في مرسلة بن فرقد المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بين كل أذانين قعدة إلّا المقرب فإنّ بينهما نفساً، إلّا أنّه أورد عليها أولاً: بعدم تمامية ما يدلّ على المقصود، وثانياًً: معارضة بما دلّ على إستحباب الجلوس بينهما في المغرب كخبر إسحاق الجريري.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله^([1]).

وخبر زريق.

عن أبي عبد الله عليه السلام: من السُّنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء، ليس بين الأذان والإقامة سبحة، ومن السُّنة أن يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظكهر والعصر^([2])، ونحوهما غيرهما.

وقيل: في المروي في الفقيه والمجالس ضعيف السّند جداً، كما في دلالتها تأمل لإحتمال أن يكون المراد من التكلّم التكلم ما بين فصول الأذان وفصول الإقامة لا بينهما، وعلى فرض الإغماض عن ذلك أو دعوى الإطلاق في المرسلة فإنّ ثبوت الكراهية حينئذٍ مبنية على التسامح في أدلة السنن وشموله لكراهة أيضاً.

وربمات يقال في دفع المعارضة، أنّ العمدة في مقام الدليل هو الإجماع المحكى في المقام، وأيّاً كان فإنّ الفصل بالتكلم بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة والمغرب لا يخلو من الإشكال.

آراء الأعلام: في قول المصنف: العاشر: الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين، قال الشيخ كاشف الغطاء: الأولى والأحوط في المغرب الإقتصار على جلسة خفيفة أو خطوة ونحوها، وقال السيد البروجردي: في غير صلاة المغرب وذهب السيد الحكيم: الفصل ببعض المذكورات لا دليل عليه، وفي بعض الأخبار التفصيل بين الصلوات اليوميّة في ذلك، فاللازم الإتيان بواحد منها برجاء المطلوبيّة، وكذا ما يأتي في المسائل الآنية، وقال السيد عبد الله الشيرازي والسيد محمد رضا الگلپایگاني: في غير المغرب، عن السيد الفاني: إلّا في صلاة المغرب، وعن السيد الخميني: يأتي بهما في صلاة المغرب رجاءً، والأولى الفصل فيها بغيرهما، وعن السيد المرعشي: في غير المغرب، فإنّه ليس بينهما فيه إلّا النفس، كما في خبر ابن فرقد المعمول به لدى القدماء، ثم الأولى في الأمور التي سردها في المتن الإتيان بقصد الرجاء لعدم الدليل المعتّد به في أكثرها وقال السيد الروحاني: في غير المغرب، وأمّا فيها فيستحب الفصل بجلسة خفيفة أو نحوها، وقال مفتي الشيعة: اختيار السجدة في صلاة المغرب أفضل، وقال الشيخ اللنكراني: والأولى الفصل في المغرب بغيرهما.

وفي قول ا لمصنف: (أو خطوة) قال السيد صدر الدين الصدر: للمنفرد خاصّة، والسيد الشريعتمداري: في غير صلاة المغرب، والسيد المرعشي: لا دليل عليها إلّا الرضوي المعلوم لدى المحققين عدم حجيّته وعدم ثبوته عنه عليه السلام، والسيد السبزواري والأفضل في صلاة المغرب اختيار السجدّة.

وفي قول المصنف: (أو قعدة) قال السيد الميلاني: إلّا في المغرب وفي قول المصنف: (أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سكوت) قال الشيخ زين الدين: بعض ما ذكر مبني على قاعدة التسامح فيؤتى به برجاء المطلوبية.

وفي قول المصنف: (بل أو تكلم لكن في غير الغداة) قال السيد الخميني: استدراك عن التكلّم، وقال  السيد الشاهرودي: وكذا المغرب وعن السيد حسن القمي: يعني لا يستحب فيها التكلّم بين الأذان والإقامة، بل يكره وقال صدر الدين الصدر: في الفصل بكل واحد مما ذكره، وقال السيد المرعشي: أي الفصل بالتكلم بينهما وارد في غيرها،  فالمسألة خلافية والله العالم.

مسألة 1: لو اختار السجدة يستحب أن يقول في سجوده: (ربّ سجدت لك خاضعاً خاشعاً) أو يقول: (لا إله إلّا أنت سجدت لك خاضعاً خاشعاً) ولو اختار القعدة يستحب أن يقول: (إجعل قلبي بارّاً، ورزقي دارّاً، وعملي ساراً، واجعل لي عند قبر نبيك قراراً ومستقراً) ، ولو اختار الخطوة أن يقول: (بالله أستفتح وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم استنجح وأتوجّه، اللّهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين).

أقول: لاشكّ أنّ من فلسفة الخلقة وسرّ الحياة العبادة لله سبحانه كما في قوله تعالى (ما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون) (الذاريات: 56).

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الدعاء مخ العبادة) وحقيقة الدعاء الإنقطاع إلى الله سبحانه، ويتجلّى ذلك في المناجاة والأدعية ولا سيما المأثور منها وقد شرع الله سبحانه لحالات عبده دعاءً ليتّصل به وينقطع إليه، ومن ثمّ وردت الأدعية المتنوعة التي من وراء كل مفردة من مفرداتها خزائن وكنوز من العلوم والمعارف حتى في الفواصل بين الأذان والإقامة، وأنّها من وقت إستجابة الدّعاء، والمؤذن والمقيم مختار في أي فاصل من المذكورات أن يأتي بها، إلّا أنّ لكل فاصل دعائه الخاص به فلو اختار السجدة بينهما فيستحب ـ وهذا استحباب في إستحباب ويكون كمال السجدة حينئذٍ ـ أن يقول في مسجوده ... للحديث صلة إن شاء الله تعالى.