عطفاً على ما سبق في مستحبات الأذان والإقامة أمور: الثالث الطهارة في الأذان كما مرّ وجه ذلك وأمّا الإقامة، فذهب المصنف قدس سره إلى أنّ الأحوط بل لا يخلو من قوة اعتبار الطهارة فيها، بل الأحوط اعتبار الإستقبال والقيام أيضاً فيها وإن كان الأقوى الإستحباب.

وقد مرّ الكلام في مشروط الأذان والإقامة في الشرط السابع الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط بل لا يخلو عن قوة وعن المشهور استحبابها في الأذان والإقامة وإن كان في الثاني أكد وهكذا الحال في القيام والإستقبال وذهب جماعة إلى وجوبهما في الإقامة، وظاهر المصنف التفصيل بينهما، فاختار وجوب الطهارة فيها دون القيام، ولكن المسألتين من جنس واحد فإذا قيل بوجوب الطهارة فكذلك يقال بوجوب القيام لوحدة المناط، وأياً كان فقد دل على اعتبار الطهارة جملة من النصوص فضلاً عن تسالم الأصحاب وعدم الخلاف وحكاية الإجماع عن جماعة، فمنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً وأينما توجهت، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيئاً للصلاة، وقريب منه صحيحة الحلبي: قال عليه السلام لا بأس أن يؤذن الرَجل من غير وضوء، ولا يقيم إلّا وهو على وضوء ونحوها غير كصحيحة علي بن جعفر كما مرّ، ولا معارضة لها بنص خاص ولو برواية ضعيفة سوى إطلاقات الإقامة، وجمعاً بينها حملت النصوص على أفضلية الأفراد مكان الشرط من شرط الكمال وليس الصحة كما ذهب إليه المشهور لفهم من نصوص الباب إرادة الحكم التكليفي أي إستحباب فعل الطهارة أو كراهة تركها إلّا الحكم الوضعي حتى يدل على شرطية الطهارة أو مانعية الحدث ولولا فهم المشهور لخصوصية في المقام لكان المفروض حسب القاعدة حمل المطلق على المقيد، لأنّ الأوامر والنواهي في المركبات من الإرشادية إلى الشرطية والجزئية والمانعية كما هو ثابت في محلّه ومعروف عند أهله، فعدم فهمهم الشرطية يكشف عن فهمهم لخصوصية في المقام، ومن ثم نقول بتخصيص قاعدة كون الأوامر والنواهي في المركبات ارشادية وتوجب حمل المطلق على المقيد وهذا ما ذهب إليه المحقق الهمداني قدس سره في مصباح الفقيه (الصلاة: 213 اسطر: 31) فراجع فقد أشكل عليه سيدنا الخوئي قدس سره كما في شرح العروة: 13: 342 ـ 343) فتأمّل.

هذا وقد أشكل بعض الأعلام المعاصرين على عبارة المصنف قدس سره بالفرق بين الطهارة والقيام فقال بلزوم الأول دون الثاني والحال النصوص الدالة على اعتبارها بلسان واحد وبمناط واحد، كما لا يظهر الفرق بين الطهارة والقيام في عدم وجود رواية معارضة ولو ضعيفة السند لا لمطلقات إستحباب الإقامة ولا لنصوص التقيّيد بالطهارة، فالجرم بعدم اشتراط القيام في الإقامة دون الطهارة، والفتوى بالشرطية في الطهارة دون القيام ممّا لم يتضح الوجه فيه.

فالمختار اعتبار الطهارة والقيام في الإقامة في الجملة.

قال المصنف قدس سره: الرابع: عدم التكلّم في أثنائهما، بل يكره بعد قد قامت الصلاة للمقيم، بل نعيره أيضاً في صلاة الجماعة، إلّا في تقديم إمام، بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صفّ ونحوه، بل يستحب له إعادتها حينئذٍ.

أقول: الرابع من مستحبات الأذان والإقامة عدم التكلّم بكلام آدمي في أثنائهما، ويدل عليه: أولاً: تسالم الأصحاب وعدم الخلاف فيه كما عن المنتهى نفي الخلاف فيه بين أهل العلم وثانياً: الإجماع المحكى عن غير واحد، وثالثاً: موثقة سماعة.

عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن؟ فقال عليه السلام: لا بأس حين يفرغ من أذانه^([1]).

وجه الإستدلال: مفهوم لا بأس حين يفرغ أنه قبل الفراغ فيه بأس ولكن ظاهره كرهة الكلام في أثناء الأذان لا إستحباب تركه، كما يظهر من عبارة المصنف وغيره.

وأشار سيدنا الخوئي قدس سره إلى إختلاف النسخ فما ذكر يوافق لو كان النّص (لا بأس حين يفرغ من أذانه) وأمّا على النسخة الأخرى المشتملة على كلمة (حتى) فإنّ الأمر كان بعكس ذلك إذ مفاد الخبر يكون حينئذٍ استمرار نفي البأس إلى نهاية الأذان فيجوز التكلم في الأثناء، ولما كانت نسخ الوسائل كالتهذيب مختلفة ولا مرجح في البين فيلزم الإجمال وإختلاف النسخ فلا سبيل للاعتماد والإستناد إليها، فتأمل، فإنّه يؤخذ بقول المشهور ويكون مرجحاً، والمختار إستحباب ترك الكلام في أثناء الأذان أو كراهة ذلك، ويستفاد منها الإستحباب في الترك بناء على القول بالتلازم في الأحكام التكليفية، فتأمل.

وأمّا في الإقامة فيدّل عليه فضلاً عن التسالم والإجماع المحكي نصوص وطوائف كثيرة منها ما هي مختصة بصلاة الجماعة ومنها ما هي مختصة بصلاة المنفرد.

فمن الأول: صحيحة زرارة.

عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلّا في تقديم إمام^([2]).

ومنها: موثقة سماعة.

قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قام (أقام) المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام^([3]).

ومنها: خبر ابن أبي عمير.

قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة قال: نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد إجتمعوا من شيء وليس لهم إمام، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان^([4]).

وأمّا الثاني فمنه خبر أبي صارون المكفوف.

قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك^([5]).

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.