عطفاً على ما سبق في الإستصحاب التعليقي فذهب المشهور منهم العلمان الشيخ الأعظم والمحقق الخراساني إلى جريان الإستصحاب التعليقي وحجيته ولوجود المقتضي وعدم المانع إلّا أنّه خالف في ذلك جماعة من الأعلام كما مر، فأنكروا ذلك تمسكاً بوجوه، يرجع بعضها إلى عدم المتقتضي للإستصحاب، وبعضها إلى وجود المانع عنه.

فمن الاول: من عدم المقتضي ما نسب إلى صاحب الرياض السيد علي الطباطبائي قدس سره.

قال السيد المجاهد قدس سره: في ردّ تمسك السيد العلامة الطباطبائي قدس سره على حرمة العصير من الزبيب إذا غلى بالاستصحاب التعليقي بحكم العصير العنبي إذا غلى، وادّعى تقديم هذا الاستصحاب على استصحاب الإباحة وأصلها:

وبالجملة: أي نقول تفصيلة يشترط في حجيّة الإستصحاب ثبوت أمرٍ من حكمٍ وضعي أو تكليفي أو موضوع في زمان من الأزمنة قطعاً، ثم يحصل الشك في إرتفاعه بسبب من الأسباب، فهنا يجري الاستصحاب، فلا يكفي مجرد قابلية الثبوت بإعتبار من الإعتبارات، فالاستصحاب التقديري  ـ التعليقي ـ باطل، وقد صرّح بما ذكرناه والدي العلامة قدس سره في أثناء الدرس، فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم^([1]).

وأورد عليه: إنّ الأولى في ردّ الاستصحاب التحريمي هو الاشكال على عدم تحقق الموضوع في القضية المشكوكة فإستصحاب التحريم أجنبي عن الإستصحاب التعليقي حتى لو قيل باعتباره، لأنّ مورد التعليقي هو الحكم المشروطبشيء، وهذا مفقود في المقام المفروض وهو العصير العنبي، فإن مورد الحرمة المعلّقة على الغليان هو الماء المتكون بقدرة الله سبحانه في العنب، والزبيب فاقد له، وماؤه خارج عن ذاته وأجنبي عن حقيقته، فلا يكون غليانه موجباً لحرمته، وبعبارة أخرى: لا موضوع للإستصحاب التعليقي هنا، فاستفاد عدم جريانه إلى عدم الموضوع له أولى من استناده إلى عدم حجيته، فتأمل.

وأياً كان فما ذهب إليه منكر الاستصحاب التعليقي من جهة عدم المقتضي، بأنّ المستصحب وهو الحرمة في مثال العصير الزبيبي غير موجود، لأنّ المفروض أنها متوقفة على الغليان الذي لم يحصل بعد، ومن الواضح أنّ وجود المستصحب في الإستصحاب الوجودي من الضروري، فالمقتضي وهو اليقين الفعلي مفقود، ومع عدم المقتضي كيف يجري الإستصحاب؟ فالحكم المشروط بشرط غير حاصل لا يعدّ موجوداً، أي حكم الحرمة المشروط بالغليان ولم يحصل لا يكون متيقناً حتى يستصحب.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم قدس سره وغيره: أنه يعتبر في الإستصحاب الوجودي أن يكون المستصحب موجوداً في الدعاء المناسب له من الخارج أو الاعتبار، ومن الفعلي والإنشائي، فلا يعتبر فيه خصوص الوجود الفعلي الخارجي، أي لا يعتبر خصوص الوجود الفعلي في كل استصحاب.

فالمستصحب تارة يكون فعلياً وأخرى إنشائياً بحكم الفعلي كما لو كانت فعليته منوطةً بشرط غير حاصل، وشك في بقائه بسبب ضروء حالة على موضوعه، فإنّه يجوز إستصحابه.

والوجه في ذلك: لأنّ الوجود الإنشائي من الموجودات الإعتبارية المشروطة التي يصحّ استصحابها إذا شك في بقائها ، فالحكم المعلّق وإن لم يكن موجوداً فعلياً وموضوعياً إلّا أنه بحكم الموجود الفعلي فله وجود حكمي، ويشهد على ذلك جواز نسخ الوجود الإنشائي الاعتباري أو ابقائه في لسان الدليل.

وبعبارة أخرى: الوجود المشروط والمعلّق والإنشائي لا يعدّ معدوماً مطلقاً، بل أخذ حظاً من الوجود، ومن ثم صحّ أن يقال إنّ الحرمة المعلّقة على الغليان ثابتة لماء العنب، وغير ثابتة لماء الزمان مثلاً وغير من عصير ومياه الفواكه.

ويشهد كون الوجود الإنشائي كالوجود الفعلي له حظ من الوجود، افتقار الحكم التعليقي معلقاً سواء أكان من التكليفي أو الوضعي إلى إنشاء من بيده الاعتبار، فلا يكون من العدم المطلق، فإنّه لو لم يوجد شيء بالإنشاء ولم ينتقض به العدم لكان الإنشاء من لقلقة الإنسان فالمعلق موجود غير معدوم، لأن الخطاب الشرعي به في مثل قوله عليه السلام (ماء العنب إذا غلي يحرم) فإنّه ينشأ الحكم التحريمي على الغليان، ومن الواضح ان المنشأ معدوم قبل الإنسان، فلو لم يوجد بالإنشاء لقلقة لسان ولغواً، نعم يبقى الموجود بالإنشاء إنّما هو وجود معلّق، وهو في وعاء الاعتبار له نحو وجود وخط من الوجود، وإذا تعلّق اليقين والشك بهذا النحو من الوجود، صار من صغريات كبرى الاستصحاب وثم أركانه فيشمله دليله.

فالملكيّة والزوجية وغيرهما من الموجودات الإعتبارية والإنشائية لها حظ من الوجود ومن ثمّ يترتب عليها أحكام شرعية فعلية كما لا بيع إلّا في ملك، ولا نفقة إلّا في زواج، فتمّ المطلوب أن المستصحب في التعليقي له وجود في الجملة، مما يتعلق به اليقين السابق والشك اللاحق ويترتب عليه الأثر الشرعي، فتمت أركان الإستصحاب في التعليقي كما في التنجيزي.