عطفاً على ما سبق: في مسألة الإستصحاب التّعليقي فهل كالاستصحاب التنجيزي يقال بحجيتهما معاً، أو عدمهما أو القول بالتفصيل بجريانه في التنجيزي دون التعليقي، وقبل الدخول في صلب الموضوع يذكر الأعلام بعض المقدمات النافعة ليتضح بتلك محل النزاع، وقد مرّت الإشارة إلى جملة منها، وهذه جملة أخرى وبعبارة أخرى وهي إجمالاً:

أوّلاً: إنّ الخلاف في جريان الإستصحاب التعليقي وعدمه إنّما هو في الشبهة الحكمية، وأن المراد منها: هو خصوص ما إذا كان الحكم فيها مشروطاً بشرطٍ غير حاصل بحيث تكون القيود راجعة إلى الهيئة كما في الواجب المشروط كالصلاة المشروطة بالوضوء (لا صلاة إلّا بطهور) فلو كان قيل برجوع القيود إلى المادة بنحو يكون الحكم فعليّاً ولكن المتعلق والقيد استقبالياً، كان الإستصحاب الجاري فيه من التنجيزي ولي التعليقي، لفعلية الحكم بحسب الفرض.

وثانياً: من يقول بحجية الإستصحاب ـ التعليقي، فهو بإعتبار ما يقوله من الإستصحاب في الشبهات الحكميّة الكلية كما عند المحقق الخراساني+ وغيره، وإلّا فمن أنكر ذلك كما عند بعض الأعلام، فإنّه لا يجري الاستصحاب في الأحكام المعلقة، بل يجري في الموضوعات المعلقة، إذا لم يرد عليه الإشكال من جهة أُخرى.

وثالثاً: كل شيء بحسب نفسه، فجريان الإستصحاب الوجودي إنّما يتوقف على تحقق الموضوع والمستصحب في الدعاء المناسب له، فإن كان المستصحب من الموجودات الخارجية الجزئية فإنّه يعتبر تحقق وجوده في الخارج وفي الأعيان الخارجية، وإن كان من الأمور الإعتبارية والذهنية فإنّه اعتبر وجوده في عالم الإعتبار والأذهان.

ورابعاً: أن المستصحب لا يخلو أما أن يكون حكماً شرعياً، وهذا تارة يكون جزئياً، بمعنى كونه فعلياً بوجود موضوعه مطلقاً، سواء أكان الموضوع بسيطاً أو مركباً، فلا إشكال في جريان الإستصحاب فيه.

مثاله: كالشك في وجوب الحج على زيد الذي كان مستطيعاً وزالت عنه استطاعته، وقد يكون كلياً، بمعنى إنشائه على موضوع مفروض الوجود نظير القضايا الحقيقية.

والشك في بقاء هذا الحكم الكلّي إمّا أن يكون للشك في ورود النّسخ الذي يكون مع بقاء الموضوع بجميع حدوده، وإما أن يكون لتغير حال من حالات الموضوع.

مثاله: كما في الماء المتغيّر الذي زال تغيّره من قبل نفسه، لا من جهة إتصاله بعاصم كالكّر والماء الجاري، فمن قال بالإستصحاب التنجيزي قال في هذين القرضين أيضاً.

والكلام كل الكلام فيما إذا كان الشك في بقاء الحكم الكلّي ناشئاً من تبدّل حال جزء الموضوع قبل تحقق جزئه الآخر كما في الموضوع المركب من جزئين، بأن كان مركباً من جزئين تحقق أحدهما دون الآخر، وتبدل حال من حالات الجزء الموجود قبل حصول الجزء الآخر، ثم تحقق الجزء الآخر.

مثاله المعروف والمشهور: العصير العنبي المغلي في قوله عليه السلام: (العنب إذا غلي يحرم) فإنّ موضوع الحرمة مركب من جزئين العنب والغليان، فإذا جفّ العنب وإنقلب زبيباً قبل الغليان ثم غلى فهل يحرم ذلك؟ فهذا هو مورد الإستصحاب التعليقي، فإنّه يقال لو كان عنباً كما كان فإنّه يحرم، فيستصحب ذلك معلقاً على أنّه لو كان عنباً لحرم.

وقد إختلف الأعلام في جريان الإستصحاب التعليقي فيه لإثبات حرمة العصير الزبيبي، فذهب العلامة الطباطبائي على ما حكي عن رسالته في حكم العصير العنبي إلى جريانه، ووافقه في ذلك جمع من المحققين كالشيخ الأعظم والمحقق الخراساني والمحقق العراقي، وذهب جمع آخر إلى إنكاره كصاحب الرياض وصاحب المناهل والفصول والمحقق النائيني والسيد الخوئي^([1]).