الرابع: الموالاة بين الفصول من كلّ منهما على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرعة، وكذا بين الأذان والإقامة، وبينهما وبين الصلاة، فالفصل الطويل المخلّ بحسب عرف المتشرعة بينهما، أو بينهما وبين الصلاة مبطل.

أقول: الشرط الرابع في الأذان والإقامة وفصولهما رعاية الموالاة بينهما وبين الصلاة، وبين فصولهما، وهذا ما ذهب إليه المشهور، وإستدل عليه صاحب الجواهر بوجوه:

الأول: بالأصل.

الثاني: الثابت من فعل المعصومين عليهم السلام.

الثالث: المستفاد من الأدلة االخالية عن المعارض.

ولكن ورد عليه: أما الأصل فلا يعارض الإطلاق الدال على عدم الاعتبار، وأمّا الثابت من فعلهم فلا دلالة فيه لإجماله، فيسقط عن الاعتبار، وأمّا الاستفادة من الأدلة فغير واضحة.

والأولى أن يستدل بتسالم الأصحاب أوّلاً، وثانياً: بما هو المرتكز في أذهان المتشرعة، بأن كل من الأذان في فصوله والإقامة في فصولهما عمل وعنوان واحد ذو هيئة إتصاليّة بين أجزائه بتركيب خاص بنحو يرتبط بعض الأجزاء بالبعض الآخر بنحو المستحب الارتباطي، وبهذا الترتيب والنحو الخاص يتميز عمّا عداه من الأعمال الأخرى ويسمى بالأذان أو الإقامة، فلو إنفصمت الأجزاء بسكوت طويل أو فعل ماجٍ بصورة العمل الواحد، ويزيل العنوان بحسب عرف المتشرعة فإنّه لم يقع مصداقاً للمأمور به حينئذٍ، بل يصدق عليه مطلق الذكر، فلا دليل خاص على اعتبار الموالاة في العبادات وهذا المعنى سارٍ في الأذان والإقامة ورعاية الموالاة العرفية بينهما، وكذلك بينهما وبين الصلاة توحدة الملاك، فإنّه يعد الجميع بمنزلة عنوان واحد في نظر المتشرعة كما هو المختار.

وإنّما يوجب بطلان الأذان أو الإقامة مع الاخلال بالموالاة العرفية كما لو كان الفصل كالسكوت طويلاً، أو يأتي بالمحال أجنبية ماحية لصورة الأذان أو الإقامة.

ثم المراد من الموالاة العرفية يلاحظ نظر عرف المسلمين، فلا يلاحظ فيها بالدقة العرفية أو الدقة العقلية.

الخامس: الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية، فلا يجزى ترجمتهما، ولا مع تبديل حرف بحرف.

أقول: الشرط الخامس: أن يأتي بالأذان والإقامة على الوجه الصحيح بالعربية، ويدل عليه ظاهر نصوص الكيفيّة كما أنّ العبادة توفيقية، ومقتضى النصوص البيانية لزوم رعاية الكيفية بألفاظها الصحيحة والخاصة، فلا يجز من غيرها ولو كان بلفظ عربي يعطي نفس المضي، فضلاً عن الترجمة بلغة أخرى كما هو المختار.

السادس: دخول الوقت، فلو أتى بهما قبله ولو لا عن عمدٍ لم يجتزأ بهما، وإن دخل الوقت في الأثناء ، نعم لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر.

كما عن نهاية الأحكام والمختلف وكشف اللثام، بل عن المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة وجامع المقاصد، أنّه إجماع علماء الإسلام.

ولا فرق في ذلك بين الأذان الاعلامي فإنّ المقصود أخبار الناس بدخول الوقت فكيف يكون قبل جخول الوقت والأذان الإعظامي كما يدل عليه مجلة من النصوص منها: صحيحة معاوية بن وهب.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تنظر بأذانك وإقامتك إلّا دخول وقت الصلاة^([1]).

فلو أتي بالأذان والإقامة قبل دخول الوقت سواء جهلاً أو سهواً أو حمداً فإنّه لم يجتزأ بهما بل يعيدهما، وإن دخل الوقت في الأثناء كذلك عليه الإعادة.

(نعم لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر).

كما ذهب إليه المشهور، وفي المنتهى نسبته إلى فتوى علمائنا، وعن ابن أبي عقيل: أنه بذلك تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام، وقيل بعدم مشروعية ذلك، والأولى أن يقال بالتفصيل بين الأذان الإعلامي والأذان الإعظامي ففي الثاني يقال بعدم مشروعيته قبل الفجر لصحيحة معاوية بن وهب كما مرّ وأمّا الإنسان الاعلامي فالظاهر عدم مشروعيته أيضاً لأنّ المقصود منه هو اعلام الناس بدخول الوقت لاقامة صلاتهم أو للإمساك في صيامهم فكيف يجوز قبله كما أنّ السنة أن الأذان الاعلامي ف يالفجر يكون مع طلوع الفجر الصادق كما في صحيحة ابن سنان (وأما السنة فإنّه ينادي مع طلوع الفجر) ^([2]). فقبله غير مشروع.

ولكن في صورة واحدة يجوز ذلك من باب الاعلام والإيذان بقرب الوقت حتى يتهيأ للعبادة كما ورد هذا المعنى في صحيحة ابن سنان وكذلك في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان بلال يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن اممكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر.

وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذا ابن مكتوم وهو يؤذن بليل، فإذا أذّن بلال فعند ذلك فامسك، يعني في الصّوم^([3]).