الثالث: الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة، وكذا بين فصول كلّ منهما، فلو قدّم الإقامة عمداً أوجهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان، وكذا لو خالف الترتيب فيما بين فصولها، فإنّه يرجع إلى موضع المخالفة ويأتي على الترتيب إلى الآخر. وإذا حصل الفصل الطويل المخلّ بالموالاة يعيد من الأوّل من غر فرق أيضاً بين العمد وغيره.

أقول: يقع الكلام في شروط الأذان والإقامة فالأول: النسية ابتداءً واستدامةً والثاني: العقل والإيمان كما مرّ تفصيلهما وأما الثالث فالترتب بين الأذان والإقامة وبين فصولهما ويقع الكلام في مقامات:

الأول: في رعاية الترتيب بين الأذان والإقامة، وهذا ممّا لا اشكال فيه ولا خفال كما في الحدائق، وعن جماعة كثيرة: النّص عليه، وعن كشف اللثام دعوى الإجماع عليه.

ويستدل على ذلك فضلاً عن الإجماع بقسميه المحصّلب والمنقول وعدم الخلاف وتسالم الأصحاب بوجوه:

الأصل:فإنّه يدل على عدم كفاية عدم الترتيب بينهما، فالأصل رعاية الترتيب.

والثاني: التأسي برسول الله والأئمة الأطهار^ والسلف الصالح من المتشرعة، مما يدل على أنّ المرتكز عندهم هو رعاية الترتيب.

والثالث: وهو العمدة وربما يقال بدعوى القطع باستفادة الترتيب بينها عند ملاحظة الأخبار الواردة في المقام، منها: صحيحة البزنطي.

قال: القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلّها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة^([1]).

وجه الإستدلال: يستحب الفاصل بين الأذان والإقامة كما سيأتي أما بقعود أو تقدم إلى الإمام ولو بخطوة أو بصلاة نافلة، فجعل وقوع النافلة قبل الإقامة وجعلها بدلاً عن المقصود الفاصل بينها وبين الأذان مما يدلّ على تقدّم الأذان على الإقامة.

ومنها: موثقة عمار.

عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرّجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشيء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة، قال: ليس عليه شيء...) ^([2]).

وجه الإستدلال: إنها دلت على أنّ الدخول في الإقامة من مصاديق نسيان الفصل بينهما كمن ينسى ويدخل في نفس الصلاة، وهذا يتمّ وينسجم مع لزوم تأخر الإقامة عن الأذان، فثبت المطلوب من رعاية التقدم للأذان على الإقامة.

ومنها: موثقة عمار الثانية:

قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكر معين فرع من الأذان والإقامة؟ قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله، وليقل من ذلك الحرف إلى آخره، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة.

وجه الإستدلال: أنه ما دام يعيد الحرف ـ أي أحد الفصول ـ الذي نسيه من الأذان مما يدل على تقدمه أولاً، وثانياً: قوله عليه السلام (ولا الإقامة) لو كان يصحّ تقدم الإقامة على الأذان لما كان مجال لتوهّم الإعادة حتى يقول له الإمام عليه السلام (ولا الإقامة) فهذا يدل على تقدم الأذان عليها كما لا يخفى.

ومنها: وربما أكثر وضوحاً من غيرها صحيحة زرارة، وفيها ما يتعلق بقاعدة التجاوز على الشك في الأذان بعد الدخول في الإقامة.

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الأذان، وقد دخل في الإقامة، قال: يمضي إلى أن قال ـ يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره، فشكك ليس بشيء) ^([3]).

وجه الإستدلال: لولا تأخر محل الإقامة عن الأذان لما كان مجال لتطبيق قاعدة التجاوز عن المحل، أضف إلى ذلك:

كالرّوايات الدالة على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة بجلوس كما في صحيحة البزنطي.

قال: قال: القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها^([4]).

وجه الإستدلال: فإنّها واضحة الدلالة على أنّ الإقامة قبل صلاة الفريضة تكون بعد الأذان، حتى لو كانت للفريضة نافلة.

يصليها بعد الأذان وقبل الإقامة للصلاة.

وكذلك الروايات الناهية عن التكلّم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة إلّا في التكلم في تقديم الإمام كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام كما مرّ، وصحيحة ابن ابي عمير  قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال: نعم، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شيء وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان^([5]).

وجه الإستدلال: أولاً الحرمة بمعنى الكراهة، لأنّ أول الصلاة هي تكبيرة الاحرام، كما يعارضها ما ورد في صحيحة حماد بن عثمان^([6]). من الجواز.

ومن الروايات ما دل على استحباب اعادة الإقامة إذا تكلّم في أثنائها كصحيحة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام والمختار تقديم الأذان على الإقامة، هو إنه من الشرط الواقعي فلو قدّم الإقامة عمداً أو جهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان، وهذا ممّا يدل بطلان الإقامة المتقدمة على الأذان.

الثاني: لابدّ من رعاية الترتيب بين فصول كل من الأذان والإقامة، ويدل عليه الإجماع الصريح والظاهر كما ادعاه جماعة، وفي الجواهر: إجماعاً بقسميه المحصّل والمنقول، وعمدة ما يدل هي النصوص الواردة في المقام وهي على طوائف:

الأولى النصوص البيانية التي على الكيفية في الأذان والإقامة كما هو المرتكز عند المتسرعة، وأنه من الفروغ منه والمتسالم عليه، فظاهر النصوص البيانية تحديد الفصول على نحو خاص وإن يوضع كل فصل في محلّه، مما تدل على رعاية الترتب وعدم التخلف عنه.