عطفاً على ما سبق في استصحاب الأمور التدريجية كالزمان، فإنّه وإن قيل به إلّا أنّه أورد في المقام اشكال بأنّه يلزمه الأصل المثبت وأجاب عنه الأعلام ومنهم سيدنا الخوئي قدس سره في مصباح الأصول: 3: 150 ـ 149 بأنّ الموضوع المركب تارة من العارض والمعروض كالماء الكر فإنّه موضوع للإعتصام وعدم الإنفعال فلابدّ في تربد الحكم وهو الاعتصام على هذا الموضوعت من إثبات العارض والمعروض بنحو مفاد كان الناقصة أما بالوجدان أو بالتعبد كالإستصحاب، فلا يجدي الاستصحاب في المقام بمفاد كان التامة إذ يلزمه الأصل المثبت كما مرّ بيانه، فلابدّ حينئذٍ من إجراء الاستصحاب في مفاد كان الناقصة بأن يقال هذا الماء كان كرُ فالآن كما كان.

وأخرى يكون الموضوع مركباً بنحو الإجتماع في الوجود من دون أن يكون أحدهما وصفاً للآخر، كما لو أخذ الموضوع مركباً من جوهرين أو عرضين أحدهما قائم بجوهر والآخر قائم بجوهر آخر ومن جوهر وعرض قائم بالغير، فلابدّ في ترتب الحكم على مثل هذا الموضوع من إحراز كلا الأمرين بالوجدان أو بالتعبّد، فإذا شك في أحدهما يكفي جريان الاستصحاب فيه بنحو مفاد كان التامة، بلا احتياج إلى جريانه في مفاد كان الناقصة.

ثم يضرب السيد مثالاً فيقول إجمالاً: ومن هذا القبيل الثاني: الصلاة والطهارة، فإنّ كلاً منهما فعل للمكلّف وعرض من أعراضه ولا معنى لاتصاف أحدهما بالآخر، ولكن الموضوع هو مجرد اجتماعهما في الوجود الخارجي، فإذا شك في بقاء الطهارة يكفي جريان الاستصحاب فيهما بنحو مفاد كان التامة فيحرز الموضوع المركب من الصلاة والطهارة، إلّا أن أحدهما بالوجدان وهو الصلاة والآخر بالتعبّد الشرعي وهو الطهارة باعتبار الاستصحاب من الأصول الشرعية في المقام.

وإذا عرفت ذلك عندئذٍ نقول: إنّ اعتبار الزمان قيداً لشيء من هذا القبيل أيضاً أي من المركب المجموعي الوجودي من العارض والمعروض، فإنّ معنى الإمساك النهاري هو إجتماع الإمساك مع النهار في الوجود، إذ النهار موجود من الموجودات الخارجيّة ـ وهذا ممّا يدل على وجود الزمان في الخارج فتأمل ـ والإمساك عرض قائم بالمكلّف، فلا معنى لإتصاف أحدهما بالآخر، فإذا شك في بقاء النهار فإنه يكفي جريان الاستصحاب فيه بنحو مفاد كان التامة، ولا يلزمه اشكال الأصل المثبت في شيء، فارتفع الاشكال.

نعم لو أردنا إثبات إتصاف الإمساك بكونه نهارياً وكان في النهار وذلك من خلال استصحاب النهار بنحو مفاد كان التامة فهذا كان من الأصل المثبت فإنّ وقوع الإمساك في النهار من اللازم  العقلي للنهار وليس من اللازم الشرعي كما هو واضح.

ولكن لا نحتاج إلى هذا الاستصحاب بل لا معنى له على ما ذكر من عدم معقولية أتصاف أحدهما بالآخر لاستقلال كل واحد عن الآخر فكيف يتصف ركوع الإمام بركوع المأموم في زمان واحد كما مرّ مثاله، فإنّ أحدهما قائم بجوهر وجسم وهو الإمام والآخر قائم بجوهر وجسم آخر وهو المأموم، فلا يعقل أن يكون أحدهما صفة للآخر، فهذا غير معقول.

نعم، قد يؤخذ في لسان الدليل الشرعي عنوان انتزاعي موضوعاً لحكم من الأحكام كالتقدم والتأخر والتقارن.

مثال ذلك: إذا شك في بقاء الزمان في مثل العنوان الانتزاعي الذي كان موضوعاً للحكم الشرعي فبإستصحابه لا يمكن إثبات هذا العنوان إلّا على القول بالأصل المثبت، ولا إختصاص له باستصحاب الزمان، بل يجري هذا المعنى والاستصحاب في غير الزمان أيضاً، مثلاً: إذا كان الموضوع للحكم الشرعي في إرث الولد هو تأخر موت الولد عن موت أبيه فالموضوع لإرث الولد من والدة عنوان إنتزاعي وهو تأخر موته عن موت أبيه وحينئذٍ لو علمنا بموت أبيه في شهر رمضان مثلاً، وشككنا في أن موت الولد كان متأخراً عنه أو مقارناً له أو متقدّماً عليه، فإنّه باستصحاب حياة الولد لا يمكن إثبات عنوان التأخر إلا على القول بالأصل المثبت وهو ليس بحجة في الأصول.

فتحصل من جميع ما ذُكر ف يالمقام: صحة جريان الاستصحاب في الزمان مطلقاً كما هو المختار والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ـ يعطل البحث للعطلة الصفرية في آخر صفر للأربعين وعلى سفر ان شاء الله للتبليغ بدعوة من مكتبه السيد القائد في سوريا والحوزة العلمية وجامعة المصطفى في سوريا لألقاء محاضرات إسلامية أخلاقية إن شاء الله للناس في المصلى بجوار السيدة مولاتنا زينب سلام الله عليها وفي المدارس الدينية وكذلك لحزب الله اللبناني والله العاصم ومنه التوفيق والتسديد والصحة والسلامة وحسن العاقبة اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك وارزقنا العاقبة عاقبة الدين والدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وعجل الله فرج إمام زماننا بالنّصر والعافية آمين.