عطفاً على ما سبق في استصحاب الفرد المردد كما ذهب إليه الشيخ الأعظم إلّا أنّه أورد عليه من جهات عديدة، تارة من جهة تخريب الركن الثاني للإستصحاب وهو الشك في البقاء، وأخرى من جهة التخريب الركن الأول منه وهو اليقين بالحدوث وقد مرّ الكلام فيهما، وبقي الاشكال الثالث وهو: أنّ الشك في البقاء إنما هو الشك في بقاء الحادث وليس الشك في حدوث الباقي والشك في المفرد المردد هو الشك في حدوث الباقي وليس من شأن الاستصحاب إثبات حدوثه بل شأنه إثبات بقاء الحادث.

مثال ذلك: إذا علمنا إجمالاً بوجوب إحدى الصلاتين في يوم الجمعة الظهر والجمعة، ثم آتينا بصلاة الجمعة، وأردنا إجراء الاستصحاب، فإنّ الشك في الحقيقة يرجع إلى الشك في حدوث الفرد الباقي، لا وهو صلاة الظهر، لا في بقاء الفرد الحادث، لأنّ المفروض القطع بإرتفاع الوجوب لو كان متعلقه صلاة الجمعة، فنقطع بارتفاع الوجوب على تقدير تعلقه بالجمعة، فالشك يتعلق بحدوث الفرد الآخر وليس في بقائه، ومن الواضح أن الاستصحاب إنّما يعتبر فيما إذا كان الشك في بقاء الحادث وليس في حدوث الباقي، فإذا جرى الاستصحاب في الفرد المردّد على ما هو عليه من الترديد اقتضى ذلك الحكم ببقاء الحادث كلّ تقدير، سواء أكان الفرد الباقي أم المرتفع، وهذا بطبيعة الحال ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير كونه هو الفرد المأتي به، فحينئذٍ لا وجه ولا دليل لاستصحاب الفرد المرّدد بما هو مردّد عند ارتفاع إحدى فردي الترديد فلما مجال لجريان الاستصحاب في الفرد المردد أصلاً بعد ارتفاع أحد فردي الترديد.

الرابع: من الاشكال على الشيخ كما يظهر من تقريرات المحقق العراقي قدس سره كما أشار إليه تلميذه المحقق السيد المرّوج في منتهى الدراية: (8: 451) بأنّ الاستصحاب التعبدي لابدّ أن يلاحظ فيه ترتب الأثر الشرعي على المستصحب، فلابدّ أن يتعلق اليقين بالحدوث الشك في البقاء بموضوع ومستصحب ذي أثر شرعي، فلو تعلّقا بعنوان لا يترتب عليه أثر شرعي فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه، فإنّ التعبد الاستصحابي لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر الشرعي المترتب على المستصحب.

ولا يخفى أنّ هذا الشرط الأساسي مفقود في المقام:

بيان ذلك: فإنّه من الضروري البديهي أنّ عنوان إحدى الصلاتين الظهر والجمعة أو الإنائين مثلاً ليس موضوعاً للأثر الشرعي، بل الموضوع له هو العنوان التفصيلي كالظهر أو الجمعة أو خصوص هذا الإناء أو ذاك الإناء في الإنائين المشتبهين، ومن المعلوم أنّ هذا العنوان التفصيلي لم يتعلق به اليقين والشك حتى يجري فيه الاستصحاب إنّما تعلق بالجمل بين الإنائين أو الظهر والجمعة فتعلق بعنوان إجمالي عرضي كأحد الفردين أو الفرد المرّدد، ومن المعلوم أنّ هذا العنوان العرضي وإن تعلّق به اليقين والشك، إلّا أنّه لأجنبية عمّا هو موضوع الأثر الشرعي لا يجري فيه الاستصحاب، فما هو الموضوع للحكم الشرعي عين به العنوان التفصيلي لم يتعلق به اليقين والشك وما تعلق به ليس موضوعاً للأثر الشرعي (نهاية الأفكار: 4: 114).

والفرق بين هذا الوجه والوجه الثالث: أن في هذا الوجه عدم تعلق اليقين والشك بما هو موضوع الأثر الشرعي وفي الثالث عدم تعلق الشك ببقاء الحادث الذي هو من شرائط الاستصحاب، فتأمل.

كما ظهر الفرق بين عدم جريان الاستصحاب في الفرد والمردد جريانه في الكلّي القسم الثاني، فإنّه في اثاني يترتب الأثر الشرعي على الكلي دون المعلوم بالإجمال المردد في فرده ففي استصحاب الكلي القسم الثاني كما في الحدث المردد بين الأكبر والأصغر بعد الغُسل أو الوضوء بناء على موضوعية كلّي الحدث لأحكام شرعية، فإنّه من الواضح عند استصحاب الكلي يترتب عليه الأثر الشرعي على نفس الكلّي الذي تعلق به اليقين والشك، وهذا بخلاف الفرد والمردد فإنّه ليس موضوعاً للأثر الشرعي، ولذا لا يجري فيه الاستصحاب وأن تعلق به اليقين والشك.

فتبين الفرق الواضح بين الفرد المردّد واستصحابه الكلي في القسم الثاني، فإنّه يجري في الكلّي دون الفرد المردد مطلقاً لا الشخص ولا الكلي ويدخل الفرد المردد في قاعدة الاشتغال لا الاستصحاب فراجع.