عطفاً على ما سبق في استصحاب الفرد المردد وكله صورتان الأول أن يكون الشك في بقاء المعلوم بالإجمال من جهة ارتفاع أحد الفردين أو خروجه عن مورد الإبتلاء، والثاني أن يكون الشك في بقائه من جهة أخرى.

فذهب المشهور إلى عدم جريانه، إلّا أنّه حكي عن الشيخ القول به، وأورد عليه من جهات عديدة.

أولاً: كما عن المحقق النائيني قدس سره بمنع ثاني ركني الاستصحاب فيه وهو الشك في البقاء.

بيان ذلك: أنّ الفرد بما له من التشخص الخارجي والجزئية كما في العلم الإجمالي بين فردين مردد والنجاسة بينهما، وشك في بقاء أحدهما، فإنّه مردد بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع الإرتفاع، فحينئذٍ لاشك في بقاء الفرد الواقعي المعلوم الحدوث، لأنّ المفروض أنّه إمّا معلوم البقاء أو مقطوع الإرتفاع، ومن الواضح المعلوم أن الشك في البقاء أحد ركني الاستصحاب فإنّ الركن الأول هو اليقين السابق والركن الثاني الشك اللاحق.

وأورد عليه: أنّه وإن كان القطعان المذكوران ينفيان الشك في البقاء، إلّا أنّه إنما يكون ذلك فيما كان القطعان: القطع بالبقاء والقطع بالإرتفاع فعليين، فإنّه بهما ينتفى الشك في البقاء، ولكن إذا كانا تقديريين، فلا منافاة بينهما أصلاً، لأنّه من البديهي أن القطع على تقدير غير معلوم الحصول ليس قطعاً فعلاً بالحمل الشائع، بل هو شك في الحقيقة فالحالة الفعلية هي الشك في بقاء ما علم بحدوثه إجمالاً بعد تحقق رافع أحدهما.

مثال ذلك: كالوضوء ممّن علم بحدثٍ مردد بين البول والمني، فإنّ الوضوء يوجب الشك وجداناً في ارتفاع ما علم به إجمالاً من الحدث المردد.

وثانياً: من المحقق الاصفهاني بمنع ركن اليقين بالحدوث.

بيان ذلك: أنّ الخصوصية المفرّدة مجهولة، لترددها بين خصوصيتين، كما في الإنائين، ومع التردد بينهما لا يحصل العلم التفصيلي بأحدهما بخصوصيته الخاصة، بل المتيقن المعلوم عندئذٍ هو القدر المشترك بين الفردين الجامع لهما، ومتعلق الجهل كل واحد من الخصوصيتين، وهذا جارٍ في سائر الصوم الإجمالية.

ثم الاستصحاب التعبدي الذل أصل يؤخذ به في مقام العمل فيما إذا كان يترتب عليه الأثر الشرعي، والمفروض في العّام عدم موضوعية القدر الجامع والمشترك للأثر الشرعي، فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه حينئذٍ، حتى لو اجتمعت اركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث السابق والشك في البقاء باعتبار التردد بين فردين يشك في خروج أحدهما عن مورد الإبتلاء، لأنّ المفروض إنّما يترتب الأثر الشرعي على إحدى الخصوصيتين المفرّدتين، إلّا على الجامع والمشترك بينهما.

وبعبارة أخرى: ما اجتمع فيه أركان الاستصحاب وهو الكلي والقدر المشترك الجامع لا يترتب عليه الأثر الشرعي، وما هو موضوع الأثر الشرعي أي مصداق الفرد المفرد بما له من خصوصية ومن العنوان التفصيلي كنجاسة هذا الإناء وذاك، لا يجتمع فيه أركان الاستصحاب لعدم اليقين السابق بالخصوصيّة.