عطفاً على ما سبق: في بيان خلاصة ما ذهب إليه المحقق الآخوند قدس سره في كفايته في استصحاب القسم الثاني من الكلّي، والكلام فيما أورد عليه من الاشكالات وجوابها، فالاشكال الثاني كما مرّ تفصيله يرجع إلى أنّ استصحاب الكلّي في القسم الثاني محكوم بالاستصحاب السببي، مما يوجب نفي الاستصحاب الكلي، فإنّ الثابت في محله عدم جريان الأصل المسببي ووجود الأصل السببي.

بيان ذلك: أنّ الشك في بقاء الكلّي وارتفاعه إنّما كان مسبباً عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر، إذ الحادث لو كان هو الفرد والقصير فإنّه متيقن الإرتفاع بالوجدان فلا شك في بقائه، ولما كان حدوث الحادث الطويل العمر مشكوكاً فيه وكان منشأ الشك في بقاء الكلّي، فإنّه نجري استصحاب عدمه، أي عند الشك الأصل عدمه ونستصحب ذلك العدم، وهو حاكم على استصحاب الكلي فينفي موضوعه، ومعه مجال لجريانه في الكلّي، وإنّ الأصل السببي مقدم على الأصل المسببي.

ولا يخفى الفرق بين هذا الاشكال والاشكال الأول، فإنّ الأوّل إنّما كان عدم جريان الاستصحاب الكلي القسم الثاني من جهة احتلال ركني الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء، من جهة تردد الحادث بين معلوم البقاء ان كان طويل العمر، ومعلوم الارتفاع إن كان قصير العمر، ولكن هذا الاشكال يبتني على حكومة الأصل السببي على المسببي أي الأصل الجاري في حدوث الفرد الطويل العمرز

ودفع المصنف هذا الاشكال بوجوه ثلاثة: الأول: منع أصل السببية فليس المقام من صغريات الشك السببي والمسببي، فإنّ بقاء الكلي وارتفاعه ليس مستنداً إلى وجود حادث معيّن، حتى يتوقف بقاؤه وارتفاعه على حدوثه وعدم حدوثه كي يجري الاستصحاب في عدمه ويحكم بعدم الكلي ولا يجري استصحاب وجود الكلّي، بل الشك في البقاء والإرتفاع مسبّب عن الشك في وجود الكلي في ضمن ما هو مقطوع البقاء على تقدير حدوثه وهو طويل العمر أو في ضمن ما هو مقطوع الارتفاع على فرض حدوثه وهو قصير العمر، ومع العلم الإجمالي بوجود أحد هذين الحادثين وعدم اعتبار الاستصحاب فيهما للمعارضة، فلا محيص عن جريان الأصل في نفس المسبب وهو الكلي، فيستصحب بلا مانع وبعبارة أخرى: إنّما لا يكون الموردين السببي والمسببي لتعارض السببي بمثله في الطرف الآخر والتساقط ويبتني المسببي بلا معارض فيتم الاستصحاب الكلي في القسم الثاني.

الثاني: وهو يرجع إلى منع أصل السببية أيضاً إلّا أنّه بوجه آخر، وذلك أنّ جريان الأصل السببي والمسببي ومقولة الأول على الثاني إنّما يصدق في اللازم والملزوم، فلابدّ من تعدد اللازم والملزوم في جريان الأصل السببي والمسببي وهذا مفقود في المقام العينية بين الكلي والفرد لعدم المغايرة بين وجود الكلي لوجود الفرد فلم يكن وجود الكلي من لوازم وجود الفرد حتى يكون استصحابه مغنياً عن استصحاب الكلي، بل الكلي موجود بعين وود الفرد، فبقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل العمر لا أنّه لازمه حتى يكون من صغريات قاعدة الشك السببي والمسببي.

الثالث: على فرض تسليم كون الكلي من لوازم وجود الخاص والفرد المشكوك الحدوث، كما أنّه من صغريات الشك السببي والمسببي وغض الطرف عن أن وجود الكلي عين وجود الفرد، ولكن مع ذلك لا يجري الأصل السببي والمسبببي في ما نحن فيه لفقدان شرط من شروطه وهو كون المسبب من لوازم السبب شرعاً لطهارة الثوب المتنجس المغسول بماء مستصحب الطهارة كما مرّ فإنّ طهارة الثوب حينئذٍ من آثار طهارة الماء شرعاً والحال في المقام لم يكن الترتب شرعياً فإنّ وجود الكلي من لوازم وجوده (عقلاً لا شرعاً) ومن ثم نقول بجريان الاستصحاب الكلي القسمالثاني كما هو المختار.