عطفاً ما سبق: في تقسيمات كلّي الاستصحاب وبيان أحكام الأقسام الأربعة التي مرّت وإن كان التقسيم من قبل ثلاثياًَ، فإنّ الشك في بقاء الكلي تارة ينشأ من احتمال ارتفاع الفرد المعين المتيعن الحدوث والمشكوك والبقاء، وأخرى من تردد فرد الذي وجد الكلي في ضمنه بين معلوم البقاء ان كان طويل العمر ومعلوم الارتفاع إن كان قصير العمر وثالثة: من احتمال فرد آخر من افراد الكلي مقارناً لوجود فرده الذي علم بحدوثه وارتفاعه، أو  مقارناً لارتفاعه فلا شك في الفرد المتيقن من جهة الحدوث والزوال فإنّه معلوم ذلك إنّما الشك في بقاء الظن من احتمال حدوث فرد آخر من أفراد الكلي.، ثمّ القسم الأول يجري فيه الاستصحاب من دون مخالف في الجملة، كمن يعلم بوجود الإنسان في دار باعتبار وجود زيد فيسك في خروجه فيستصحب كلي الإنسان وإنّما يجري للاستصحاب إليه التمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة الموضوع. وأمّا القسم الثاني، فذهب المشهور إلى جريان الاستصحاب فيه، إلّأ أنه قيل فيما كان الأثر الشرعي المترتب على الاستصحاب إنما يجري على الكلي كما لو تردد في الديث بين الأكبر والأصغر فإنه يجري الاستصحاب الكلي في الحديث إلا أنه يرتب الآثار المرتتبة على الكلي من دون خصوصية كعدم جواز الدخول في الصلاة أو حرمة مسّ كتابة القرآن الكريم، وأما عدم جواز المكث في المسجد فهذا ليس من الأثر المترتب على كلّي الحدث، بل لخصوص الحدث الأكبر أي الجنابة، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه حينئذٍ لعدم اليقين بالخصوصيّة.

واذا قيل: فإنّه يقال مع ذلك بعدم جوازمكثه في المسجد، وجوابه: إنّما ذلك للعلم الإجمالي بحرمة المكث أن الأكبر أو وجوب الوضوء للصلاة ان كان الأصغر، وهذا شيء آخر من فروضات العلم الإجمالي ولا علاقة له بمسألة الاستصحاب.

وقد أشكل بعض الأعلام على جريان الاستصحاب في القسم الثاني وعلى مثاله المشهور فيما لو علمنا بوجود حيوان في الدار وخروج مصداق مردد بين طويل العمر وقصيره، فلو كان القصير لتيقنا بخروجه ولو كان الطويل لتيقنا بعدم خروجه ـ فقيل أن الاستصحاب فيه وإن كان جارياً في نفسه لتمامية أركانه من اليقين السابق وجود الحيوان والشك اللاحق المردد بين الطويل والقصير أو الحدث الأكبر والأصغر، ألا أنه محكوم بأصل سببي يقدم عليه ويوجب انهدام الاستصحاب فإنه يكون بالنسبة غليه من المسببي.

بيان ذلك: لا ريب أن الشك في بقاء الكلي أي الحيوان مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل أو الفرد القصير، والأصل عدم الفرد الطويل، وفي مثال الحدث: يكون الشك في بقاء الحدث مسبباً عن الشك في حدوث الجنابة، فتجري اصالة عدم حدوث الجنابة، ثم نضم إلى هذا الأصل العدمي إلى ما هو ثابت بالوجدان وهو خروج الحيوان قصير العمر أورفع الحدث الأصغر، فمع ضم الأصل إلى الوجدان بحكم بارتفاع الحدث مطلقاً فلا مجال لاستصحابه وإن كان كليّاً، فإنّ الحدث الأصغر مرتفع بالوجدان والحدث الأكبر منفي بالأصل أو قل ارتفاع الفرد والقصير بالوجدان والطويل بالأصل.

وأجيب عن هذا الاشكال بوجوه:

الأوّل: ما اشاذ إليه صاحب الكفاية^([1]). شيخنا المحقق الخراساني قدس سره: من أن الشك في الكلّي ليس مسبباً عن الشك في حدوث الفرد الطويل أو الحدث الأكبر، بل مسبب عن الشك في كون الحادث طويل العمر أو قصيره، وكم فرق بين الشك في أصل الحدوث وبين الشك في صفة الحادث، وبعبارة أخرى: إنّ الشك في بقاء الكلّي كالحيوان الكلي أو الحدث الكلّي مسبب عن الشك في خصوصية وصفة الفرد الحادث بأنه طويل أو أنه الأكبر، وليس له حالة سابقة حتى يكون مورداً للأصل أي اصالة العدم فتجري أصالة عدم كونه طويلاً.

أو من الأكبر، فما مسبوق بالعدم وهو حدوث الفرد والطويل ليس الشك في بقاء الكلي مسبباً عنه، وما يكون الشك فيه مسبباً عنه وهو كون الحادث طويلاً ليس مسبوقاً بالعدم حتى يكون مورداً للأصل، فيكون الأمر فيه أشبه بسالبة بانتفاء الموضوع.

وأورد عليه: أنّ هذا إنما يتم لو قيل بعدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي، ومن قال به فلا مانع له من جريانه، أي من جريان أصالة عدم كون الحادث طويلاً، فلا مجال للاستصحاب الكلي لحكومة الأصل السببي على السببي، فتأمل فإنّه يكون النزع مبغوّياً.

الثاني: ما ذكره أيضاً في الكفاية: وهو أن الاشكال تخصص موضوعاً لا يرد، لأنّ بقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل فإنّ الكلي عين الفرد، وليس من لوازمه، فلا تكون هناك سببية ومسببية ، حتى يقال بحاكمية السبب على المسبب، ومن ثم القول عدم جريان الإستصحاب.

وأورد عليه: بأنّ العينية بين الكلي والفرد لا تنفع في دفع الإشكال، بل جريان الاستصحاب في الكلي على العينية أولى بالإشكال منه على السببيّة، فتأمل.