تنبيهات الاستصحاب

التنبيه الأول

اعتبار فعلية الشك واليين

قال المصنف المحقق الخراساني قدس سره: ثم إن ها هنا تنبيهات: الأول يعتبر في الاستصحاب فعليّة الشك واليقين، فلا استصحاب مع الغفلة.

أقول: إن ما يذكر من التنبيهات المعروفة بتنبيهات الاستصحاب فيها من الطالب النافلة والمهمة لا يسع الطالب أن يستغنى عنها ويهملها ويغض الطرف عنها، والمصنف المحقق الخراساني قدس سره قد تعرّض لها تبعاً لاستاذه الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وتبحث التنبيهات عند العلمين تارة عن أحوال اليقين والمتيقن، وأخرى عن أحوال الشك، وثالثة: عن الأثر العملي والشرعي المترتب على الاستصحاب.

وقد اختلف التلميذ مع الاستاذ في عدد التنبيهات وتسلسلها، وعدم طرح بعضها في التنبيهات كالتنبيه الثالث عند الشيخ من عدم جريان الاستصحاب في المستقلات العقلية فإنه فما دائل بحث الاستصحاب قال بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي مطلقاً سواء أكان مستنده النّقل أو قاعدة الملازمة فراجع.

والكلام يقع في التنبيه الأول: والفرض منه بيان اعتبار فعلية اليقين والشك، فغنهما من أركان الاستصحاب، فلا يكفي وجودهما التقديري في الاستصحاب، ولا ينبغي الاشكال في أن يقتضي أدلة الاستصحاب هو اعتبار اليقين والشك الفعلي وليس التقديري فإن الأدلة الواردة لبيان الأحكام الواقعية أو الظاهرية إنما وردت على نحو القضية الحقيقية التي يحكم منها على تقدير وجود الموضوع بالفعل، فلو دل دليل على حرمة الخمر فإن مفاده إن الحرمة ثابتة للخمر الفعلي، ولا يدل على حرمة شيء لا يكون خمراً بالفعل وإن كان خمراً في المستقبل كما لو غلا العنب وصار خمراً.

ومن الواضح أنه لو جرى الاستصحاب مع الشك التقديري يجري مع عدمه أيضاً وهذا خلاف الفرض من تحقق الشك كتحقق اليقين لكون موضوع الاستصحاب اليقين والشك معاص، فالاستصحاب إنما يتقوم باليقين والشك الفعليين.

والشيخ الأعظم قد تعرض إلى ذلك، أما فعلية الشك ففي القول الخامس في بيان الأقوال في الاستصحاب حيث قال: (ثم المعتبر هو الشك الفعلي الموجود حال الالتفات إليه، أما لو لم يلتفت فلا استصحاب وإن فرض الشك فيه على تقدير الالتفات.

وأمّا فعلية اليقين فبينهم ذلك مما ذكره في ثاني الأمور التي تعرّض لها في حالة الاستصحاب بقوله (الأمر الثاني ممّا يعتبر في تحقق الاستصحاب: أن يكون في حال الشك مستيقناً لوجود المستصحب في السابق، حتى يكون شكّه في البقاء^([1]).

وقد سبق صاحب الفصول الشيخ والمحقق في الإشارة إلى فعليتهما في الاستصحاب : فقال في جملة من أورده على كلام الفاضل السبزواري ما نقله: (إن اليقين في أخبار الباب ظاهر في اليقين الفعلي لا التقديري، وكذلك الظاهر من عدم نقضه بالشك عدم نقضه بالشك المتعلق به تعلّقاً فعلياً لا تقديرياً)^([2]).

بيان ذلك: توضيحاً لما ذُكر لا بأس أولاً الإشارة إلى بعض الأمور المسلمة:

الأول: لاشك أن كل حكم ومحمول تابع لوجود موضوعه حدوثاً وبقاءً، فإن فعلية الحكم ووجوده بوجود موضوعه، ولا حكم من دون موضوعه.

الثاني: أن الشك واليقين وكذلك الظن من الحالات الوجدانية والصفات النفسانية التي لا يعقل أن تتحقق للغافل، فإنه من البديهي لو كان الإنسان في حال الغفلة، فإنه لا يصدق عليه كونه عالماً أو ظاناً أو شاكاً، بل يصدق عليه نقيض هذه الأمور، وإلّا يلزم إجتماع النقيضين أو ارتفاعتهما أي اجتماع العالم والغافل، ومن المعلوم أن فعلية هذه الصفات عين وجودها، وعدم فعليتها عين عدمها.

الثالث: لقد مرّ تكراراً أن موضوع الأصول العملية التي هي أحكام ظاهرية لمن لم يعلم بالواقع ويشك فيه هو الشك وقد عرفت أنه كاليقين والظن من صفات الإنسان الملتفت، كما قيد الشيخ قدس سره في أول الرسائل المكلف أي المجتهد بالملتفت وأنه أما أن يكون ناقضاً أو ظاناً أو شاكراً.

وأمّا موضوع الحكم الواقعي فإنه ثابت لمن كان عالماً أو جاهلاً فلم يقيد بالالتفات، ومن هنا تعرف الفارق بين موضوع الحكم الواقعي وموضوع الحكم الظاهري، لعدم تقيد الأول بالالتفات دون الثاني، فإن قوامه بالالتفات الشكي، فإنه بدون الشك الفعلي لا وجود للحكم الظاهري حقيقةً.

فمع الغفلة لا تخبر في الحكم الواقعي ولاشك لعدم الشك المتقوم بالالتفات، فلا يجري فيه الإستصحاب الرافع للتحيّر، فلابدّ في جريان الاستصحاب وصحته من أن يكون كل من اليقين والشك فعليّان ولا عبرة بالتقديري منهما، فإنه ليس التقدير الأعرض الوجود للعدم، والحال العبرة بهما بوجودهما الفعلي كسائر موضوعات الأحكام.

ثم فرّع الشيخ قدس سره على اعتبار اليقين والشك الفعلي في جريان الاستصحاب فرعين، وتبعه على ذلك صاحب الكفاية قدس سره بيان ذلك يأتينا إن شاء الله تعالى.