ـ ويكره تمكين الأطفال والمجانين من الدخول في المساجد:

كما ذهب إليه المشهور، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن أسباط عن بعض رجالهن قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: جنبّوا مساجدكم البيع والشراء، والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت^([1]).

وعن عبد الحميد عن أبي إبراهيم الإمام الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جنبّوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم... الحديث.

وقد ذكر البعض في وجه وتعليل كراهة دخول الصبيان في المساجد بعدم الوثوق بهم من جهة التّحفظ من النجاسات، فإن كان ذلك، فإنّ أمن من ذلك رفعت الكراهة، إلّا أن هذا يتنافى مع الإطلاق في الخبر إلّا أن يقال بإنصرافه لما ذكر، فتأمل.

وقيل: يجوز أن يكون الوجه في المنع منهم أيضاص هو اللعب في المسجد المنافي لتوقيره واحتشامه، وهذا أيضاً يرد عليه مع الأمن من ذلك يلزم رفع الكراهة، وهو يتنافى مع إطلاق الخبر فتأمل.

وذهب العلامة المجلسي قدس سره في بحار أنواره^([2]). في بيان الخبر الثاني بأنه لا خلاف في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد، وربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به، إما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه من النجاسات  وأداء الصلوات، فإنّه لا يكره تمكينه، بل يستحب تمرينه، ولا بأس به، فتأمل فإن ما ذكر في وجه الكراهة إن كان من باب العلّة فلا بأس بما قيل، وإلّأ لو كان من باب الحكمة كما هو الظاهر، فربّما في الكراهة وجه آخر لا علم لنا به، فيكون الحاكم للاطلاق في الأخبار من كراهة دخول الصبيان والمجانين في المساجد مطلقاً، والله العالم.

ومن المكروهات في المساجد:

يكره عمل الصنائع، كما ذهب إليه المشهور، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سلّ السيف في المسجد، وعن بري النّبل في المسجد، قال إنما بني بغير ذلك ^([3]).

قيل: ويستفاد من هذا التعليل كراهة عمل جميع الصناعات، ولا يختص ببري السّهام، ولكن ذهب صاحب الحدائق رحمه الله^([4]). إلى أنه لم يقف على دليل ظاهر بهذا الحكم، ولهذا نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، ممّا يشعر بعدم وقوفه على الدليل عليه، فقال في عدّ المكروهات: وترك عمل الصنائع مطلقاً، قاله الأصحاب، وعليه نبه حديث بري النبل.

ثم قال عليه الرحمة: وأنت خبير بأنه قد مرّ هذا التعليل في غير هذا الخبر ما تقدم ولا ريب في إشعاره بذلك بأنه يكره جميع الصنايع لأن المسجد أعدّ لغير هذا فإنّه أعدّ للعبادات والصلوات، ولعل هذا التعليل والإشعار كاف في اثبات الحكم المذكور من كراهة عمل الصنايع في المساجد، فتأمل والله العالم بحقائق الأمور.

ويكره أيضاً كشف العورة والسرّة والفخذ والركبة، كما هذهب إليه المشهور، وإنّما يكره وكشف العورة مع عدم المطلّع عليه، وإلا حرم ذلك ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن السكوني عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: شف السّرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة^([5]).

والكلام في ما يصدق عليه العورة، فإن المحرّم منه المتفق عليه هو خصوص القُبل والدبّر، ومنهم من ألحق بهما ما دونهما إلى الركبة وما فوقهما إلى السرّة، فقيل من العورة موضوعاً أيضاً، وقيل حكماً في التحريم. ولكن المشهور من ذهب إلى كونهما من العورة مجازاً وتسامحاً فيلحق بالعورة حقيقة من جهة استحباب سترها وكراهة كشفها، لا حرمتها.

فالخبر هذا يدل على كراهة كشف السّرة والفخذ والركبة في المسجد، فإنها من العورة مجازاً، وليست من العورة حقيقة أي فيما وضع لفظ العورة عليه وهما القبل والدّبر على الأشهر الأظهر، وإنّما جعلت في حكم العورة تأكيداً للكراهة فالظاهر حينئذٍ أن يكون المراد من العورة في هذا الخبر هو ما يستحب ستره مطلقاً، ويكره كشفه في المساجد، كما هو المختار.

ويكره أيضاً إخراج الريح، مما فيه الصوت المسمى بالضرطة أو دون ذلك المسمّى  بالفسوة، والوجه في الكراهة واضح فإنه يتنافى مع قدسية المساجد ولزوم احترامها ورعاية آدابها، كما هو المختار، وذهب صاحب الوسائل إلى عدم التحريم كما في الباب 18 من أبواب أحكام المساجد قائلاً في العنوان (وعدم تحريم خروج الريح في المسجد والأكل فيه) ويدل على عدم التحريم: ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن النوم في المسجد الحرام فقال: هل للنّاس بُدّ أن يناموا في المسجد الحرام لا بأس به، قلت: الرّيح تخرج من الإنسان؟ قال: لا بأس.

وعدم التحريم لا ينافي ثبوت الكراهة، وما ذكر في ما يتعلق بالمسجد الحرام يلحق به غيره من المساجد بالألوية، فتأمل.

قال المصنف قدس سره:

مسألة2: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

وهذا ما ذهب إليه المشهور كما يستحب أن تتأخذا ستره موضع في دارها، لما رواه محمد بن علي بن الحسين باسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة المرأة في مخدعها افضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدّار^([6]).

والدار من المخدع من خدع بمعنى الاخفاء والخادعة: البيت في جوف البيت، سمّى بذلك لأنه يستر فيه.

الشيء، فالمخدع بكسر الميم والمُخدع بالضم والمخَدع بالفتح وحجبه مخادع : بيت داخل البيت الكبير^([7]).

والمراد من البيت الحجرة التي ينام فيها ويبيت مثل وغرفة النوم في عصرنا الحاضر والدار ما يعمّ الحجرات والغرف، فيستحب للمرأة أن تصلي في بيت البيت.

وقال الصادق عليه السلام: خير مساجدكم نسائكم البيوت.

وعن الحسن من الفضل الطبرسي في (مكارم الأخلاق) قال: قال النبي صلى الله علهي وآله وسلم صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة.

ومن الفضل صلاة المرأة في المسجد، ولا سيما حضورها لصلاة الجماعة، فلا منافاة مع كون الأفضل لها أن تصلي في بيتها كما ورد في جملة من الروايات أيضاً (بيتها محرابها) فإنها كلها عورة، والعورة منها ما يجب سترها ومنها ما يستحب بحسب إختلاف الموراد والأحوال والأشخاص، فتأمل. والله العالم.