عطفاً على ما سبق في بيان الاشكال الثالث الذي أورده المحقق النائيني على المحقق الخراساني قدس سرهما بأنه لا يمكن إجتماع الحكم الواقعي والحكم الظاهري في نفسه مع قطع النظر عن الغاية.

بيان ذلك: إنّ الحكم تارة يكون مستنداً إلى خاص وأخرى إلى عام كالنوع الكلي كالإنسان وخصوصيات صنفيّة وخصوصيات فردية، فلا محالة سيكون الحكم مستنداً إلى القدر الجامع بين الخصوصيات وليس إلى الأفراد بخصوصياتها، فإنّه إذا قيل اكرم كل إنسان فإنّ هذا الحكم مستنداً إلى القدر الجامع بين الخصوصيات وليس إلى الأفراد بخصوصياتها، فإنّه إذا قيل اكرم كل إنسان فإنّ هذا الحكم وإن كان شاملاً لجميع أصناف الإنسان وأفراده، إلّا أنه مستند إلى الجامع لا إلى الخصوصيات الصنفية أو الفردية.

فيقال في مقام الإمتثال: هذا يجب إكرامه لأنه إنسان، لا لأنه عربي أو لأنه زيد مثلاً، فلا دخل للخصوصيات في الحكم.

وحينئذٍ قوله عليه السلام (كل شيء نظيف) وإن كان شاملاً بعمومه للشيء اليقيني وللشيء المشكوك فيه أي النظافة اليقينية وهو الحكم الواقعي والنظافة المشكوكة وهو الحكم الظاهري، إلّا أنه بعنوان أنه شيء أو الشيئية وهو القدر الجامع لا بعنوان أنه مشكوك، لأنّ كونه مشكوكاً من الخصوصيات الصنفية، وقد ذكر عدم دخلها في الحكم المستند إلى العام كقولنا (كل شيء لك طاهر) فلا يكون هناك حكم ظاهري، لأن موضوعه الشيء بما هو مشكوك فيه، فلا يكون في المقام إلّا الحكم الواقعي الوارد على جميع الأشياء المعلومة أو المشكوك فيها.

ثم ترفع المحقق في كلامه بأنه يمكن أن يقال إنّ الحكم المذكور العام في قوله عليه السلام: (كل شيء نظيف) (كل شيء طاهر) لا يكون شاملاً للشيء المشكوك فيه أصلاً، لأنّ عموم قوله عليه السلام : (كل شيء قد خصص بمخصصات كثيرة دالة على نجاسة بعض الأشياء كالكلب والكافر والبول والدم وسائر النجاسات.

فالمانع المرّد بين الماء والبول مثلاً لا يمكن التمسك لطهارته بعموم قوله عليه السلام (كل شيء نظيف)  لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالشيء المشكوك فيه لا يكون داخلاً في عموم قوله عليه السلام (كل شيء نظيف) مطلقاً لا من حيث الحكم الظاهري ولا الحكم الأولي، والأول: لأنّ الموضوع هو الشيء وليس المشكوك فيه، والثاني: لكونه مشكوكاً بالشبهة المصداقية.

ذهب السيد الخوئي إلى أنّ هذا الاشكال متيقن جداً ولا دافع له، ويظهر منه عدم صحة الاحتمال الرابع، وهو أن يكون المراد الطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الأوّلية، والظاهرة الظاهرية للأشياء المشكوك فيها، لعدم إمكان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهر على ما تقدم.

ثم يقع الكلام في صحة الإحتمالات الأخرى أو عدم صحتها من الإحتمالات الخمس المتبقية وهذا ما ياتينا إن شاء الله تعالى.