عطفاً على ما سبق في الإستدلال بروايات الحل والطهارة على حجية الاستصحاب فذكر الاعلام أنه يحتمل أن يكون المقصود والمراد ومفاهدها واحدة من سبعة محتملات متصورة كما مرّ تفصيل ذلك والكلام في الاحتمال السابع وما ذهب إليه المحقق الخراساني في أحد قوليه، فإنّه في الكفاية اختار الإحتمال السادس وفي هامش الرسائل اختار الإحتمال السابع بأنه يحتمل أن يكون المراد من الأخبار الواردة في الباب هو الطهارة الواقعية والظاهرية والإستصحاب معاً، وإستدل على ذلك بأنّ كلمة (كل شيء) أي كل شيء لك طاهر أو حلال شاملة وعامة لما هو معلوم العنوان ومشكوكه ومن الأول كالماء المعلوم، ومن الثاني كالمانع المردد بين الماء والبول مثلاً، فإنّ الإمام عليه السلام حكم بالطهارة في الجميع، ولا يخفى تكون الطهارة بالنسبة إلى الأوّل واقعية، وبالنسبة إلى الثاني أي المشكوك فيه طهارة ظاهرية، وأمّا قوله عليه السلام (حتى تعلم) يدل على الاستصحاب، فإنّ÷ إشارة إلى إستمرار الطهارة سواء الواقعية أو الظاهرية إلى زمان العم بالنجاسة وهذا مفاد الاستصحاب.

فاشكل عليه المحقق النائيني بإشكالات كما ذكر ذكر تلميذه سيدنا الخوئي قدس سرهما.

فالإشكال الأول: بما نذكره من البيان السّهل: أنّ الحكم الواقعي والحكم الظاهري لا يمكن إجتماعهما في جعل واحد رتبة واحدة، وأن يكون أحدهما في عرض الآخر بل أحدهما في طول الآخر لإختلاف مراتبهما في الواقع، فإنّ الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين.

بيان ذلك: لا يخفى أن موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي، فيكون متأخر عنه، كما أن والشك في الحكم الواقعي متأخّر عن الحكم الواقعي نفسه، فيكون الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين، فيكون الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي وليس في عرضه، فكيف يمكن تحققها بجعل واحد وفي رتبة واحدة؟ وإلا يلزم كون المتأخر عن الشيء بمرتبتين متقدم ومعه في رتبته، وهكذا خلاف الفرض ويلزمه إجتماع النقيض وإجتماع المتأخر والمتأخر والمقدم في رتبة واحدة.

وذهب سيدنا الخوئي قدس سره إلى أنه إنّما يتم الاشكال مبنوياً، فعلى مبنى المحققين الآخوند والنائيني قد سرهما ومن وافقهما في وضع الإنشاء والخبر، بأنّ الإنشاء هو إيجاد المعنى باللّفظ، وحينئذٍ لا يمكن إيجاد شيئين أحدهما في طول الآخر بجعل واحد وإنشاء واحد، بل لكل واحد منهما إنشاءً ولفظاً دالاً عليه فإن كان للمختار هذا المبنى في وضع الإنشاء فإن اشكال النائيني على الخراساني سيكون وارداً، ولكن على المبنى الآخر الذي يختاره السيد الإنشاء ليس بمعنى إيجاد المعنى باللّفظ، وأن اللفظ جسر لإيجاد المعنى لشدة العلقة بينهما، بل اللفظ يبرز المعنى  ويظهره لا أنه يوجده ويحققه في الذهن أو في الخارج.

بيان ذلك: أنّ اللفظ ليس إلّا وجوداً لنفسه، وأمّا المعنى فهو إعتبار نفساني، لا يكون اللفظ موجداً له، بل مبرزاً له ومن هذه الجهة لا فرق بين الخبر والإنشاء، فكلاهما ألفاظهما يبرزان المعنى والإعتبار والأمر النفساني، نعم إنّما الفرق بينهما في المُبرَز ـ بفتح الراء المهملة وهو إسم مفعول ـ فالمبرز إسم فاعل ـ هو اللّفظ والمبرَز ـ إسم مفعول ـ في الإنشاء هو مجرد اعتبار نفساني، فليس وراءه شيء حتى يُتصف بالصدق والكذب، ولكن في الخبر والجملة الخبرية، فإنّ المبرز بالجملة الخبرية ليس هو مجرد اعتبار نفساني بل هو قصد الحكاية عن شيء في الخارج، فيكون من وراء القصد شيء، وهو المحكى عنه، وباعتباره يكون الخبر محتملاً للصّدق والكذب كما يقال في تعريف الخبر وما يحتمل فيه الصدق والكذب، وحينئذٍ مع وجود المقتضي وعدم المانع، فلا مانع من أن يُبرز حكمين أحدهما في طول الآخر بلفظ واحد.

بأن يعتبر أولاً الحم الواقعي لموضوعهن مع وجود الموضوع، ثم يفرض الشك فيه، فيعتبر الحكم الظاهري عندئذٍ أي بعد الحكم الواقعي وفي طوله، ثم بعد هذين الاعتبارين يبرز كليهما بلفظ واحد، ولا يلزم منه الاشكال والمحذور المطروح إنتهى كلامه رفع الله مقامه، فتأمل فلم يكن هذا جواباً وحلاً للإشكال لإختلاف المباني في كيفية وضع الإنشاء، والمختار ما ذهب إليه المشهور فإنّ الإنشاء إيجاد المعنى في الذهن باللفظ، فلا يعقل أن يكون تلفظ اللفظ مجرد إيجاد نفس اللفظ من دون أن يكون للفظ أثر في تحقق المعنى، بل المعنى يوجد في الذهن في مقام التخاطب بإلقاء اللّفظ لشدة العلقة بينهما حتى ربما يغفل عن اللفظ  ثم المراد المراد من الأمر وهو من الإنشائيات في قولنا (إفعل) هو إيجاد معنى وهو طلب الفعل وتحققه في الخارج وهذا لا يستتبعه الحكاية عن الخارج حتى يحتمل الصدق والكذب، وبهذا إمتاز الإنشاء عن الخبر.

الاشكال الثاني: بأنه لا يمكن ارادة الحكم الواقعي والظاهري معاً، وذلك من جهة الغاية المذكورة في أخبار الباب كقوله عليه السلام (حتى تعلم أنه قذر أو نجس) فإنّه تختلف الغايات باعتبار الحكم الواقعي والحكم الظاهري.