الخبر السادس والسابع والثامن: ما دل على الحلّ والطهارة

يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في الروايات التي يستدل بها على حجيّة الإستصحاب، فمنها الروايات الدالة على الحلية ما دام لم تعلم بالحرمة، والدالة على الطهارة ما دام لم تعلم بالنجاسة، والكلام فيها من جهات عديدة: منها: يقع الكلام في سندها ومتنها ومنها: في أصل دلالتها على اعتبار الاستصحاب، ومنها: في عموم حجيتها لغير بأي الحلية الطهارة من الأبواب.

وهذه الروايات على طوائف ثلاث:

الأولى: ما يدلّ على حليّة كلّ شيء ما لم تعلم الحرمة، كقوله عليه السلام: (كل شيء حلال حتى تعرف أنّه حرام) (الوسائل: باب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث الأول والرابع بإختلاف يسير).

الثانية: ما دلّت على طهارة كل شضيء ما لم تعلم بنجاسته كقوله عليه السلام (كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر) (الوسائل : باب 37 من أبواب النجاسات الحديث الرابع).

الثالثة: ما دلت على الطهارة  في فصول الماء ما لم تعلم نجاسته كقوله عليه السلام: (الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنه نجس) (الوسائل باب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث الخامس، وفيه: (حتى يعلم أنه قذر).

وقد ذكر الأعلام أنّ الاحتمالات المتصوّرة في هذه الروايات من حيث المعنى والمقصود سبعة:

الأول: أن يكون المقصود ولمراد من الأخبار الحاكمة بالطهارة على الأشياء ما لم يعلم النجاسة هو الحكم بالطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها وأحكامها الأولية، ويكون أخذ العلم الذي أخذ بنحو الغاية في قوله عليه السلام (حتى تعلم) إنما هو على نحوو الطريقية المحضة، وتكون الغاية في الحقيقة هو عروض النجاسة، فالمعنى حينئذٍ أن كلّ شيء بعنوانه الأوّلي طاهر حتى تعرضه النجاسة.

وأما أخذ العلم بنحو الغاية لأنه طريق إلى الواقع وهذا ليس بعزيز، كما في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) (البقرة: 187).

فالمقصود هو بيان الحكم الواقعي وأنه يجوز الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، وأمّا ذكر التبين (حتى يتبين) بنحو الغاية بناء على كونه بمعنى الإنكشاف، وهذا لمجرد الطريقية في العلم والتبييّن.

الثاني: أن يكون المقصود والمراد من الأخبار هو الحكم بالطهارة الظاهرية للشيء المشكوك فيه، كما عليه المشهور) فيكون العلم قيداً للموضوع دون المحمول، ويكون معناه أن كلّ شيء لم تعلم نجاسته فهو طاهر لك في الظاهر، فترتب عليه أحكام الطهارة وإن خالف الواقع فأنت معذور فيه.

الثالث: أن يكون المراد منها قاعدة الاستصحاب، فمعناه أنّ كل شيء طهارته مستمرة وباقية إلى زمان العلم بالنجاسة، أي لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر، أي بعلم جديد، فكل شيء ثبتت طهارته وحليته الواقعية أو الظاهرية فطهارته مستمرة ودائمة إلى سرعان العلم بالنجاسة.

الرابع: أن يكون المراد من الأخبار الأعم من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة، فالمعنى أنّ كلّ شيء معلوم النوان أو مشكوه فهو طاهر بالطهارة الواقعية في الأول، وبالطهارة الظاهرية في الثاني ويستمر إلى زمان العلم بالنجاسة.

الخامس: أن يكون المراد منها الطهارة الظاهرية والاستصحاب، كما ذهب إليه صاحب النصوص، فيكون المعنى أن كل شيء مشكوك العنوان طاهر ظاهراً، وأن طهارته مستمرة إلى زمان العلم بالنجاسة، فالمعنى في قوله عليه السلام (طاهر) إشارة إلى الطهارة الظاهرية، والغاية، والغاية إشارة إلى استصحاب تلك الطهارة إلى زمان العلم بالنجاسة.

السادس: أن يكون المراد بالأخبار الطهارة الواقعية والإستصحاب، فيكون المعني إشارة إلى الطهارة الواقعية، وأن كل شيء بعنوانه الأوّلي طاهر، وقوله عليه السلام (حتى تعلم) إشارة إلى استمرار الحكم إلى زمان العلم بالنجاسة، فما دام لم يعلم فالحكم بالطهارة مستمر ودائم.

السابع:وهو ما اختاره المحقق الآخوند الخراساني في هامش الرسائل أن يكون المراد من الأخبار هو الطهارة الواقعية والظاهرية والاستصحاب، فجمع بين الثلاثة ويجري جميع ما ذكر من الصور والإحتمالات في قوله عليه السلام (كلّ شيء حلال حتى تعرف أنه حرام).