من الأحاديث التي يستدل بها على حجيّة الإستصحاب  شرعاً موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام: إذا شككت فأبنعلى اليقين، قلت هذا أصل؟ قال عليه السلام: نعم.

أقول: إنّما السؤال والجواب في الشك في عدد الركعات كما في الصحيحة الثالثة لزرارة رضوان الله تعالى عليه،فإنّ المقصود كما هو مفاد الخبر أن يبنى الشاك على ما هو المتيقن عنده، فإذا كان الشك بين الثلاث والأربع، فيبنى على تعينه وهوأنه لميأت بالرابعة، فيأتي بها إلّا أنها منفصلة تمسكاً بالأخبار الدالة على ذلك كما مرّ، ثم لا إختصاص في الموثقة في خصوص الركعات، بل يستفاد منها. قاعدة كلية وهي حجيّة الإستصحاب مطلقاً سواء في الصلاة وفي عدد الركعات أو غيرها مما يكون عليه اليقين السابق والشك اللاحق.

ثم ذهب الشيخ كما مرّ حتى لا نخالف المذهب يحمل اليقين على اليقين بالبراءة في بناءه على الأكثر، ثم يأتي بالمشكوك فيها منفصلة أخذاً بالطائفة الثانية منالروايات، وإنّماقال بهذا الوجه في الصحيحة السابقة من جهة أن الحمل على الأقل يخالف المذاهب إذ لازمه الإتيان بركعة متصلة وهذا ما يوافق العامة، وعند الخاصة أن يأتي بركعة منفصلة ولا يقدح زيادة التشهد والتسليم كما مر.

ولكن بعد القول بأنّ الموثقة لا تختص بالشك في عدد الركعات، فلا وجه لهذا الحمل علىما ذكره الشيخ قدس سره ثم مما يدل على أنّ الموثقة يستفاد منها قاعدة كليّة وعامة ما يظهر أنّ المراد من اليقين هو اليقين الموجود، وليس تحصيل اليقين فيما بعد.

فقوله×: (فأبن على اليقين) فإنهه أمر على أن يبني على يقينه الموجود، وليس الأمر بتحصيل اليقين في المستقبل، نعم لما كان الشك في عدد الركعات، فإنّه بعد البناء على اليقين يجب عليه أن يأتي بالركعة المشكوكة أي الرابعة منفصلة وذلك من جهة العمل بالأخبار الخاصة الدال على ذلك وحينئذٍ  يلا يكون التنافي بينها وبين الإستصحاب، فتأمل.

ومن الأخبار أيضاً رواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام^([1]).

قال عليه السلام: من كان على يقين فشك فليمض على يقينه، فإنّ الشك لا ينقض اليقين، وفي نسخة أخرى: (منكان على يقين فأصابه شك، فليمض على يقينه، فإنّ اليقين لا يدفع بالشك).

وجه الإستدلال: أن ما كان على يقين وشك فيه فيبنى على يقينه، فإنّ الشك اللاحق لا ينقض اليين السابق، فأبق ما كان على ما كان وهذا هو الاستصحاب المرتكز عند العقلاء كما أمضاه الشارع المقدس في مثل هذا الخبر الموثق.

ولكن ارد عليه: بأنها تدل على قاعدة اليقين وليس الاستصحاب، لأنها صريحة في سبق زمان اليقين على زمان الشك، فيعتبر عندئذٍ تقدم اليقين على الشك زماناً فيسري الشك إليه وسمي بالشك السّاري إلى زمان اليقين، فيكون اليقين نفسه مشكوكاً فيه كما مرّ في عدالة زيد يوم الخميس ويوم الجمعة، وهذا بخلاف الاستصحاب، فإنّه يعتبر فيه كون  المتيقن سابقاً على المشكوك فيه، وربما يكون اليقين والشك متقارنين في الحدوث، بل قد يكون الشك سابقاً على اليقين.

وأجاب المحقق الآخوند الخراساني عن هذا الإشكال والإيراد بأنّ اليقين إنّما هو طريق إلى متعلقه وهو المتيقن، وما هو المتداول على الألسن بسبق المتيقن على المشكوك فيه هو التعبيري بسنن اليقين على الشك، والوجه في مثل هذا التعبير تبديل أحدهما مكان الآخر لما بين اليقين والمتيقن نحواً من الإتحاد كإتحاد العنوان والمعنون، فالمراد هوسبق المتيقن على المشكوك فيه.

وقيل بجواب آخر: بأنّ الزمان قيد في قاعدة اليقين وظرف في قاعدة الاستصحاب، وحيث إنّ الأصل في الزمان هوالظرفية، فكونه قيداً يحتاج إلى الإثبات والدليل، والحال لم يدل الدليل على كون الزمان  قيداً في المقام، فالمتقين في استعماله الحقيقي كون الزمان ظرفاً وليس قيداً، فتكون الرواية حينئذٍ دالة على حجيّة الاستصحاب وليس قاعدة اليقين.

وأورد على هذا الجواب :بأنّ الزمان ليس قيداً كما في اليقين ولا المتيقن بل هو طرف كليهما، وإنتّما الفرق بين قاعدة اليقين وقاعدة الاستصحاب هو متعلق الشك في الاستصحاب هوالبقاء، وفي قاعدة اليقين هو الحدوث، فتأمل.

وربما يقال في جواب الاشكال الأول: بأنّ ظاهر قوله عليه السلام (فليمض على يقينه) أي اليقين الموجود المطابق للواقع بحسب الظاهر فيدل على الاستصحاب وليس قاعدة اليقين، فليس في موردها يقين فعلي حتى يؤمر بالبناء عليه، بل كان يقين وقد زال عند سريان الشك إليه، وهذا ما يسمى بالشك الساري في قاعدة اليقين، وربما لم يكن يقابل في البين لإحتمال كونه من الجهل المركب كما مرّ، فتأمل.