عطفاً على ما سبق: في الإستدلال بصحيحة زرارة الثالثة على حجيّة الإستصحاب إلّا أنه أورد عليه باشكالين وكان الثاني منهما للشيخ الأعظم ومرّ تفصيله، وإجماله أن قوله عليه السلام (قام فأضاف إليها أُخرى) أمّا أن يكون المراد إضافة ركعة منفصلة والمسماة بركعة الإحتياط كما في مذهبنا، فالرواية تدل على قاعدة وجوب الإحتياط وليس حجيّة الأستصحاب، وأما المراد ركعة متصلة كما عند العامة، فالرواية يكون جهة صدروها للتقية، وليس لحجيّة الإستصحاب.

وأجابه تلميذه الشيخ الآخوند الخراساني قدس سره: بأنّ الصحيحة ساكتة عن كون الركعة المضافة متصلة أو منفصلة، فإنّها عندئذٍ تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك مطلقاً، والبناء على الأقل فهو القدر المتيقن، والإتيان بركعة أخرى مطلقاً من دون الإشارة إلى قيد الإتصال أو الإنفصال، وإنّما أخذنا بقيد الإنفصال من أدلة وروايات اُخرى دلّت على وجوب البناء على الأكثر، والإتيان بالمشكوك فيها منفصلة.

فمقتضى الجمع بين الصحيحة وبين هذه الروايات هو تقييد الصحيحة بها، والحكم بوجوب الإتيان بركعة أُخرى منفصلة.

وفي المقام قول آخر لبعض الأعلام كما في نهاية الأفكار (4: 60) وخلاصته:

أن الإستصحاب لا يجري  في نفسه في الشك في عدد الركعات، مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط بركعة الإحتياط وسجدتي السّهو.

وإنّما لا يجري الإستصحاب في الشك في عدد الركعات لوجوب التشهد والتسليم في الركعة الرابعة، فلو شك بين الثلاث والأربع وأراد أن يأخذ بالإستصحاب فيه وهو يقينه لعدم إتيان الركعة الرابعة، فيستصحب ذلك ويأتي بركعة أُخرى، فإنّه لا يمكن إثبات كونها هي الركعة الرابعة حقيقة وفي الواقع ليقع التشهد والتسليم فيها، إلّا على القول بالأصل المثبت بأن لازمه عقلاً أو عداة أن تكون هي الرابعة، فيقع التشهد والتسليم فيها، والحال لا يقال بالأصل المثبت في الأصول ـ كما هو ثابت في محلّه وعند المحققين من أهله ـ فهذه أقوال أربعة في الإستدلال بالصحيحة بين الإثبات والإنكار، وقد ناقش من الأعلام المعاصرين.

أمّا في مقولة صاحب نهاية الأفكار المحقق العراقي قدس سره بأنّ الاستصحاب في الشك في عدد الركعات قاصر في نفسه، مع النظر عن الأخبار الخاصة الواردة في المقام، فيرد عليه:

أولاً: لا دليل لنا على وجوب وقوع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة، حتى نحتاج إلى إثبات كون هذه الركعة الرابعة ، فإنّها سالبة بإنتفاء الموضوع، نعم غاية ما دلّ الدليل عليه هو رعاية الترتيب بين أجزاء الصلاة وأفعالها أو لها التكبير وآخرها التسليم، ومحصلّه وجوب الإتيان بالتشهد والتسليم بعد الركعة الرابعة مثلاً، فمن شك بين الثلاث والأربع، وبنى على الثلاث للإستصحاب وأتي بركعة اُخرى، فإنّه متيقن بإتيان الركعة الرابعة على كلّ حال، فيجوز له حينئذٍ أن يأتي بالتشهد والتسليم رعاية للترتيب، غاية الأمر أنه لا يدري هل أتي بالأربع فقط أو مع الزيادة، وهذا لا يقدح في وقوع أصل التشهد والتسليم بعد الركعة الرابعة، وحصول الترتيب، فتأمل فكيف لا يقدح فيما لو كان في الواقع قد أتى بالخامسة، فلا يتم ذلك إلّا على القول بالأجزاء وكفاية الحكم الظاهري الثابت بالإستصحاب.

وثانياً: على فرض تسليم أنه يجب وقوع التشهد والتسليم في خصوص الركعة الرابعة، فإنّه لولا الأخبار الخاصة، فلا مانع من جريان الاستصحاب في نفسه، فإنّه بعد الإتيان بركعة اُخرى من جهة استصحاب عدم الإتيان بالرابعة، يتقين أنه في الركعة الرابعة، إلّا أنّه لا يدري أنه في الرابعة هو الآن باعتبار أنها رابعة في الواقع أو قبل دقائق مثلاً وأنه خرج عنه فعلاً، فيشك في ذلك، فيجري استصحاب عدم الخروج عن الكون في الركعة الرابعة، ومن ثمّ يترتب عليه وجوب التشهد والتسليم، ولا يضر بالإستصحاب المذكور عدم العلم بخصوصية الكون كما في القسم الثاني من إستصحاب الكلي.

وزيدة الكلام: إنّما يمنع عن جريان الإستصحاب في الشك في عدد الركعات هي النصوص الخاصة الواردة في الشكوك الصحيحة، ولولاها لجرى الإستصحاب في نفسه كما عليه أبناء العامة.