فقال الشيخ: أنه لابدّ من الاستصحاب من وحدة الموضوع بين القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، فلولا الوحدة والإتحاد بين القضيتين في الموضوع لما صدق نقض اليقين بالشك.

فإذا كان الموضوع مع تمام خصوصياته باق ولم يعرض عليه التغيّر فيه أصلاً فإنه لا يمكن لعروض الشك في الحكم.

فإذا كان الماء المتنجس بتغير لونه أو طعمه أو رائحته بالنجس ولم يحدث شيئاً يحتمل كونه مطهراً له كتتميمه كراً فلا معنى للشك في طهارته.

فالتغيير الإجمالي أو التفصيلي الذي كان سبباً للشك في الحكم تارة يوجب وحدة الموضوع في القضيتين المتيقنة والمشكوكة فيجري الاستصحاب فيه وأخرى يوجب تعدد الموضوع فلا يجري الاستصحاب.

وعندئذٍ إن كان الحكم ثابتاً بالدليل الشرعي، فالمرجع لمعرفة اتحاد الموضوع وتعدّده وصدق نقض اليقين بالشك إنما هو العرف، فإن الحكايات الشرعية منزلة المتفاهم العرض كما مرّ تكراراً ومراراً، فإذا حكم العرف في مورد بتعدد الموضوع، فإنه لا يحس الاستصحاب فيه لعدم صدق نقض اليقين بالشك، وإن حكم العرف بوحدة الموضوع في القضيتين وصدق نقض اليقين بالشك فيجري الاستصحاب فيه.

ثم لا يخفى أن نظر العرف يختلف في ذلك، فربما يحكم العرف في وصف العارض للموضوع كالعدالة لزيد بكونه تمام الموضوع للحكم، وإن لم يوجد في الخارج إلّا في الموصوف، فإذا زال الوصف وإن بقي الموصوف فإنه لا يجري الاستصحاب كما في عدالة زيد فإنهها هي الموضوع لقبول شهادته، فلو كان زيد عادلاً، ثم صار فاسقاً، لا يمكن جريان الاستصحاب في قبول شهادته، لأن العرف يرى أن العدالة هي تمام الموضوع لقبول الشهادة، فلا يكون من موارد ومصاديق نقض اليقين بالشك، فكان الوصف تمام الموضوع للحكم الشرعي في نظر العرف، وغن لم يوجد الوصف في الخارج إلّا متعلقاً وعارضاً على الموصوف كالعدالة لزيد، وفي الحقيقة يكون نفس الوصف موضوعاً للحكم ولأجهل يعرض الحكم للموصوف بالعرض وهذا ما يسمى بالواسطة في العروض.

وربما يحكم العرف بأن الوصف ليس تمام الموضوع بل دخيل في ثبوت الحكم للموصوف، فيكون الموصوف هو موضوع الحكم مع وخالة الوصف، فيكون الوصف من قبيل الواسطة في الثبوت، كالتغير في الماء بالنجاسة، فإنّ التغير يكون الواسطة لثبوت النجاسة للماء، وإنّ الموضوع للحكم الشرعي هو الماء وليس التغيير، فهنا نقول بجريان الاستصحاب فيحكم بنجاسة الماء بعد زوال التغيّر وعدم وجود مطهر آخر كتتميمه كراً وزوال النجاسة عنه.

هذا فيما إذا علم كيف الموضوع مع وصفه بأنه الوصف فيه تمام الحكم فلا يجري الاستصحاب أو دخيل في الحكم فيجري الاستصحاب.

وغذا وقع الشك في كون الوصف من القسم الأول حتى يجري الاستصحاب أو من القسم الثاني ليجري الاستصحاب.

ومثاله: في المسافر فلو كان مسافراً في أول الوقت وبلغ إلى وطنه في آخر الوقت، فلو شككنا في أن الواجب عليه التمام باعتبار أول الوقت أو القصر باعتبار آخر الوقت، فيحتمل كون وصف السّفر تمام الموضوع لوجوب القصر، فمع الشك لا يجري الاستصحاب فلا يقال بالقصر لأنه في وطنه ويحتمل أن يكون من قبيل الواسطة في الثبوت لوجوب القصر فمع الشك فيه يستصحب وجوب القصر حينئذٍ، ولكن في مثل هذا المورد لا يجري الاستصحاب أيضاً لعدم إحراز صدق النقض (لا تنقض اليقين بالشك) فيه.

وإذا أردنا أن نتمسك بقوله عليه السلام (لا تنقض اليقين بالشك) كان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، هذا فيما إذا ثبت الحكم بالدليل الشرعي.