فصل في الأمكنة المكروهة

قال المصنف قدس سره: وهي مواضع: أحدها: الحمام وإن كان نظيفاً، حتى المسلخ منه عند بعضهم ولا بأس بالصلاة على سطحه.

أقول: يقع الكلام في الأمكنة التي يكره فيها الصلاة، والمقصود من الكراهة في العبادات أي أقلّ ثواباً، لا بمعنى مرجوحية العمل ممّا يوجب الخزازة كما في المكروه المصطلح في الفقه الإسلامية الذي يعد من الأحكام التكليفية الخمسة تجوزاً ويقابله المستحب والمندب، وهما في طول الواجب والمحرّم، والخامس المباح ما كان متساوي الطرفين في الوجود والعدم فمن الأمكنة المكروهة: الصلاة في الحمام وإن كان طاهراً ونظيفاً، كما ذهب إليه المشهور نقلاً وتحصيلاً، وعن أبي الصلاح الحلبي في كتابه (الكافي في الفقه: 141) ذهب إلى الحرمة، وتردّد في فساد صلاته.

ومستند المشهور: دعوى الإجماع عليه بقسميه المحصّل والمنقول كما عن الخلاف والغيبة وجملة من النصوص التي تضمنت النهي عن الصلاة في الحمام.

منها: مرسلة عبد الله بن الفضل.

محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن عبد الله عن ابن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن الفضل عمّن حدّثه:

عن أبي عبد الله عليه السلام: عشرة مواضع لا يصلّي فيها: الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطريق، وقُرى النّمل، ومعاطف الإبل، ومجرى الماء، والسيخ والثلج^([1]).

ومنها: نحوها مرسلة ابن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.

ومنها: خبر النوفلي

الأرض كلها مساجد إلّا الحمام والقبر.

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عبيد بن زرارة.

محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن صفوان عن القاسم بن محمد عن سليمان مولى طربال عمن عبيد بن زرارة .

قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأرض كلّها مسجد إلّا بئر غائط أو مقبرة أو حمام^([2]).

والروايات ضعيفة السند إلّا أنها اجبر بعمل الأصحاب، وظاهر النهي وإن كان يدل على الحرمة، وربما بهذا الاعتبار ذهب الحلبي إلى الحرمة، إلّا أنها: أولاً: معارضة للإجماع المحكى عن الخلاف والغنية.

وثانياً: معارضة لموثقة عمار الدالة على الجواز.

محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب من علي بن خالد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصّدق عن عمّار قال: سألت الصادق عليه السلام: عن الصلاة في بيت الحمام، فقال: إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس.

وقد نوقش السند باعتبار علي بن خالد، فإنّه لم يوثق، إلّا أنّه كيف ما كان فقد جمع بعض الأعلام بين الأخبار المتعارضة بجمل النهي على الكراهة، إلّا أنّه في الروايتين الأوليتين على الموضع النظيف، الأخيرة على الموضع غير النّظيف.

وأورد عليه: أولاً أن لازم ذلك كون جواز الصلاة في المكان النظيف والتجنب عن كلّ موضع معرض للنجاسة كما في مذابح الحيوانات التي هي أشدّ نجاسة من الحمام، وهذا يعني الغاء الخصوصية في دار الحمام، وهو خلاف الظاهر.

وثانياً: بناء على هذا الجمع التبرعي لم يبق مدرك ومستند للكراهة، لأنّه من الضروري أن الموضع النظيف تجوز فيه الصلاة من دون كراهة، وإن لم يكن نظيفاً فلا يجوز، فما هو مستند الكراهة.

فالصحيح أن تحمل الثالثة على الكراهة بقرينة الأوليتين مع الاختصاص بالموارد النظيفة، وأمّا في غير النظيفة أي المعرضة للنجاسة فلا يجوز، وهذا من الجمع العرفي في المقام.

ولكن أورد على الإيراد: أن من قال بالجمع الأوّل لو أراد من الموضع غير النظيف خصوص ما تكون نجاسته غير مسرية، أي ما دام لم تكن الرطوبة مسرية فيعد ذلك من مصاديق النظيف كالأرض النجسة اليابسة، فحينئذٍ لم يرد عليه الاشكالين كما هو واضح.

ونحو موثقة عمار صحيحة علي بن جعفر عليه السلام.

أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الصلاة في بيت الحمام فقال: إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس، يعني المسلخ^([3]).

وقيل: بحمل بيت الحمام الوارد في الموثقة والصحيحة على المسلخ والمنزع أي البيت الذي ينزع فيه الثياب بقرينة ما جاء في الفقيه من زيادة قوله: (يعني المسلخ).

إلّا أنّه أورد عليه: أولاً بعدم صحة ذلك لأنّ الظاهر من التفسير إنّما هو من كلام الشيخ الصدوق كما هو دأبه في كثير من موارد الفقيه كما عن جماعة^([4]).

وثانياً: لو ثبت أنه من كلام ابن جعفر عليه السلام، وصح أن يكون صارفاً للصحيحة بأنّ المراد من بيت الحمام أي المسلخ، ولكن لا يصلح أن يكون صارفاً للموثقة أيضاً.

نعم ربما يقال أن ظاهر إضافة البيت إلى الحمام مغايرة البيت مع الحمام، فيكون المراد من البيت المنزع والمسلخ، وحينئذٍ لا تصلح الموثقة والصحيحة لمعارضة ما تقدم من الطائفة الأولى الدالة على النهي عن الصلاة في الحمام.

فمن قال بالكراهة إنّما من جهة الإجماع الدّال على ذلك، كما أنّ الروايات ضعيفة السّند، فتأمل.

وأمّا كراهة الصلاة في المسلخ كما ذهب إليه بعض الأعلام كما عن النهاية (ص: 99) والأردبيلي (مجمع الفائدة والبرهان 2: 135)، فإنّه باعتبار الاستناد إلى شمول الحمام الوارد في النصوص له أيضاً، إلّا أنّ المشهور أنكر ذلك باعتبار ما جاء في تفسير بيت الحمام بالمسلخ ونفي البأس عنه كما في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، إلّا أنّه يصح ذلك لو كان التفسير (أي المسلخ) من الإمام عليه السلام نفسه إلّا أنّه لم يتضح ذلك لإحتمال أن يكون من الصدوق كما مرّ على ما هو وأبدين ابداء النظر عقيب نقل الخبر. وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.